«فبظلم» عظيم ما أعظمه (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) راجعين عن حاق الشرعة التوراتية (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) تضييقا عليهم حتى يفيقوا عن غفوتهم ، فقد حرم الله عليهم «بظلم» ـ و (بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) حيث جمعوا بين عصيان العقيدة الصالحة وعصيان العمل الصالح فكفروا (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) وذلك جمع بين عذاب في الدنيا وعذاب الآخرة.
هذه الظلامات الأربع وهي التخلفات الرئيسية عن شرعة الله أصلية وفرعية هي التي سبّبت تحريم طيبات عليهم ككل ، كافرين وعصاة ومؤمنين ف (اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً).
أجل وطيبات أحلت لهم هي : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) (٥ : ١٤٦).
بلى ولأنهم جاسية قلوبهم ، غليظة أكبادهم ، لا يحنون رؤوسهم إلا للمطارق أو نتق الجبل فوقهم كأنه ظلة كأنه واقع بهم.
هذه هي الأكثرية الظالمة الصادة عن سبيل الله الآكلة الربا وأموال الناس بالباطل.
(لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) (١٦٢).
(الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) لا يعني فقط علماءهم فإن منهم ـ بل وأكثرهم ـ (جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا).