و (بِما لَمْ يَفْعَلُوا) تشمل الى سلبية الأفعال المحمودة عن بكرتها ، سلبية العدّة والعدّة فيها ، أنهم فعلوا خيرا مّا ويحبون أن يحمدوا بأكثر مما يستحقون ولم يفعلوا القدر الذي يستحق الأكثر ، فمهما كان الاول ظلما طليقا فهذا ظلم نسبي.
ثم ان مناسبة السياق واطلاق الآية تصدق الرواية القائلة انهم اليهود والمنافقون (١) وكذلك غيرهم من نصارى ومسلمين وان لم ترد به الرواية ، هؤلاء الذين يفرحون بما أتوا من نقض الميثاق في تبيين الكتاب وهم ـ مع ذلك ـ يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا من ميثاق الكتاب.
وذلك حسب أصلهم النحس النجس : «الغاية تبرر الوسيلة» فالحفاظ على الشرعة الإسرائيلية ، أو الحفاظ على باطن الكفر وظاهر الإيمان ، يبرر عندهم التخلف عن ميثاق الكتاب فرحين وهم يحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا : فهم من الأخسرين اعمالا : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (١٨ : ١٠٣).
وقد تظل الآية تذم بطليق مضمونها كل هؤلاء الذين يفرحون بما أتوا من نقض الميثاق الرباني ، ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا ، تلبيسا على المجاهيل
__________________
(١) الدر المنثور ٢ : ١٠٨ ـ اخرج جماعة عن ابن عباس سألهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن شيء فكتموه فكتموه إياه واخبروه بغيره فخرجوا وقد أروه ان قد اخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك اليه وفرحوا بما أتوا من كتمان ما سألهم عنه.
وفيه اخرج جماعة عن أبي سعيد الخدري ان رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الغزو وتخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الغزو اعتذروا اليه وحلفوا وأحبوا ان يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت الآية.