«لتبيننه» ليس امرا حتى يعطف عليه النهي ، إنما هو إخبار آكد من الإنشاء ، فكذلك «لا تكتمونه» عطفا كمعطوف عليه.
وقد تكون (وَلا تَكْتُمُونَهُ) حالا عن واجب التبيين ، تبيننا حال عدم الكتمان ، فقد لا يبيّن الحق ، وأخرى يبين ويكتم واقع المعني منه تحريفا في لفظه أو تجديفا في معناه.
فلا يكفي تبيين الحق لفظيا حال كتمان صالح معناه ، وإنما هو تبيين له متين دون خفاء وإخفاء ذلك ، ولكن «فنبذوه» : ميثاق الكتاب (وَراءَ ظُهُورِهِمْ) نبذا لتبيينه كأصل ، أو نبذا لمعناه كما يعني بعد تبيين الأصل ، وكلاهما كتمان للحق مهما اختلفا في أصل وفصل ، والنبذ وراء الظهور يعني أنهم تغافلوا عن ذكره وتشاغلوا عن فهمه وتفهيمه فأصبح كالشيء الملقى خلف الظهر لا يراه فيذكره ولا يلفت إليه نظره.
(فَنَبَذُوهُ ... وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) مالا ومنالا في قيادات زمنية أو روحية وكل ثمن الدنيا أمام الحق قليل ضئيل (فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) من ثمن بخير ما يبيعون من مثمن.
إنهم نبذوا ذلك الميثاق وراء ظهورهم بين مثلث الناس ، ناسهم الأميين ، والناس المشركين والناس المسلمين ، ومن أهم ما نبذوه البشارات المحمدية المودوعة في كتابات السماء تحريفا وتجديفا أم إخفاء وكتمانا لها عن بكرتها (١).
هنا (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) حين تعني اهل الكتاب الاصطلاحيين ، بأحرى تعني اهل القرآن المسلمين ، فعلى علماء الإسلام ان يمحوروا القرآن في كل علومهم ومعارفهم ، ثم عليهم التبيين دون كتمان ، فالكاتمون كتاب الله في
__________________
(١) لمعرفة شاملة بما افتعلوه راجع كتابنا (رسول الإسلام في الكتب السماوية).