وتلك الإراءة المعاكسة كانت من الجانبين لصالح المسلمين ، فهنا (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) توهينا لعزمهم ، وفي الأنفال (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٤٤).
هاتان القلتان المرئيتان هما من الحيل الربانية لصالح الفئة المؤمنة اضافة الى واقع الإيمان الصامد الذي لا يهدف لأصحابه إلا إحدى الحسنيين (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) بحساب دونما فوضى جزاف (إِنَّ فِي ذلِكَ) التأييد المديد (لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) ألا فاعتبروا يا أولي الأبصار.
وقد تعني (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ) كلتا المعاكستين ان :
يرى الكافرون المؤمنين مثلي أنفسهم ، فهم إذا ألفان ستة اضعاف العدد الواقع ، ويرى المؤمنون أنفسهم مثلي الكافرين وكذلك الأمر ، وهما معا تشجيع للمؤمنين وتوهين للكافرين ، وأما ان يرى المؤمنون أنفسهم مثلي أنفسهم (٦٢٦) وهم يرون الكافرين ألفا فليس مما يشجع المؤمنين فضلا عن توهين الكافرين.
فالأصل هنا في رؤية الكافرين انهم يرون المؤمنين مثليهم رأى العين ، وفي المؤمنين انهم يرونهم قلة بجنبهم ويرون أنفسهم مثليهم رأى العين (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً).
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (١٤).
«زين» مجهولا لا بد له من فاعل ، فهل هو الشيطان حيث التزيين هنا في مسرح التنديد مفصولا عن حساب الله (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ