هو العين بعينها ، ام ماذا (١).
هنا الغشاوة على أبصارهم : أبصار القلوب والعقول والأفكار وأبصار العيون ايضا ـ رغم انها ـ علّها ـ أبصر من غيرها ، إذ لم ينتفعوا بالنظر ولم يعتبروا بالعبر ، فهم كالخوابط الغواشي في مشيتهم ، يخطئون الصراط المستقيم!
وإنها كلها من فعلهم أنفسهم إذ جحدوا بالحق وآياته بعد ما عرفوها ، فلم تنسب الى الله ، وبذلك استحقوا ان يختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ، فحتى لو شاءوا ان يبصروا لم يتمكنوا ، فنسب الختم عليها إلى نفسه ، وفي الحق إنهم هم الذين ختموا على قلوبهم وعلى سمعهم إذ غشوا على ابصارهم ، فمنه فعل لهم ومنه جزاء : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) وعلّ الواو في (وَعَلى أَبْصارِهِمْ) حالية تعني : أن الله ختم حال الغشاوة من فعلهم على أبصارهم ، فظرف هذا الختم إنما هو غشاوة الأبصار ، سابقا على ختم السمع والقلوب.
كما علّها في (عَلى سَمْعِهِمْ) ايضا حالية تعني ما تعنيه في «أبصارهم» أن (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) حال أنهم (عَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) من فعلهم ـ وإنما الأصل هو القلب يقلبه الله كما يتقلب صاحبه ان خيرا فخير وإن شرا فشر ، فلانهم عموا عن أصل السبيل وصمّوا عن دعاء الدليل «ختم الله ..» جزاء وفاقا.
فليس الطبع والختم على قلوب او سمع ـ بداية ودون سبب ـ من الله ، (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) (٤ : ١٥٥) (كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى
__________________
(١) راجع ج ٢٩ ص ٤٩ تفسير الآية (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ)