واحدا ، وهذا دليل الاطمئنان والراحة وعدم التكلف وفراغ البال من الشواغل. وكذلك قرنّا كل واحد منهم بقرينات صالحات وزوجات حسان من نساء الجنة ، وهن الحوريات الشديدات بياض العين ، والشديدات سوادها ، والواسعات الأعين. ويلاحظ أن كلمتي الحور والعين جمع للمذكر والمؤنث ، أي أحور حوراء وأعين عيناء.
روى ابن أبي حاتم عن الهيثم بن مالك الطائي أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن الرجل ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنة ، ما يتحول عنه ولا يملّه ، يأتيه ما اشتهت نفسه ، ولذّت عينه».
ويلاحظ أنه تعالى ذكر في الآيات السابقة أسباب التنعيم الأربعة على الترتيب ، فذكر أولا المسكن وهو الجنات ، ثم الأكل والشرب ، ثم الفرش والبسط ، ثم الأزواج. وذكر في كل نوع ما يدل على الكمال فيه ، وهو قوله (فاكِهِينَ) في الجنات ، لأن مكان التنعيم قد ينتغص بأمور ، وقوله : (هَنِيئاً) إشارة إلى خلو المأكول والمشروب عما يكون فيها من المفاسد في الدنيا كالتخمة والمرض والغصة والانقطاع. وقوله : في السرر : (مُتَّكِئِينَ) للدلالة على عدم التكلف ، والهيئة دليل خير. وقوله : (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) إنجاز لما وعدهم به ربهم في الدنيا ، من غير من ، وإنما كان المنّ في الدنيا بالهداية للإيمان والتوفيق للعمل الصالح ، كما قال تعالى : (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) [الحجرات ٤٩ / ١٧].
وقوله : (مَصْفُوفَةٍ) إشارة إلى أنها مخصصة لكل واحد ، لا اشتراك فيها. وقوله : (وَزَوَّجْناهُمْ) دليل على أن المزوج بأمانة هو الله تعالى ، وأن المنفعة في التزويج لهم وأنه لم يقتصر على الزوجات ، بل وصفهن بالحسن ، واختار أحسن الحسن وهو جمال العيون (١).
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢٨ / ٢٤٩