(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) يسأل بعضهم بعضا عن أحواله وأعماله ، استمتاعا وتلذذا واعترافا بالنعمة. (قالُوا : إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) أي كنا في الدنيا خائفين من عذاب الله ، وهذا القول إيماء إلى علة الوصول إلى الجنة. (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بالمغفرة والرحمة. (وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) حمانا من عذاب النار النافذة في المسام نفوذ السموم ، وقرئ : (وَوَقانا) بالتشديد.
وقالوا أيضا إيماء إلى علة الوصول إلى الجنة : (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ) في الدنيا. (نَدْعُوهُ) نعبده موحدين ، أو نسأله الوقاية. (إِنَّهُ) بالكسر : استئناف ، وإن كان تعليلا معنى ، وقرئ بالفتح : أنه تعليلا لفظا. (الْبَرُّ) المحسن ، الصادق في وعده. (الرَّحِيمُ) الكثير الرحمة.
المناسبة :
بعد بيان وقوع البعث والعذاب بالكافرين حتما وما يلاقونه من الشدائد والإهانات ، ذكر الله تعالى حال المؤمن وجزاءه المتميز ، أي أنه ذكر ما يتلقاه المؤمن في الآخرة بعد بيان حال الكافر ، ثم ذكر الثواب عقب العقاب ، جريا على الموازنة وعادة القرآن في إيراد الأضداد ، والجمع بين الترغيب بالترهيب ، حتى يتأمل الإنسان في المصير ، فيرغب في الرحمة ، ويرهب النقمة والعقاب.
ومما يزيد في الترغيب : أنه تعالى لم يقصر النعمة على المستحق ، وإنما أفاضها أيضا على الذرية والأولاد ، فلم يكتف بتعداد صنوف اللذات النفسية في الملبس والمسكن والمأكل والمشرب والزواج ، وإنما زاد في الفضل والإكرام ، فألحق بالأصول الذرية المؤمنة في المنازل العالية والدرجات الرفيعة في الجنان. وأبعد اليأس والملل والوحشة عن أهل الجنة ، وأحل محلها المتعة المتجددة والأنس ، بتجاذب الكؤوس فرحا ولعبا ، والتنذر بأطيب الأحاديث ، والتحدث بأحوال الدنيا ومقارنتها بأحوال الآخرة ، ونحو ذلك.
التفسير والبيان :
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ، فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ ، وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) إن الذين اتقوا ربهم في الدنيا باتباع أوامره واجتناب نواهيه يكونون