(وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي ، أيّ عذر لكم وأي شيء يمنعكم من الإنفاق في طاعة الله ومرضاته والجهاد من أجله ، فأنفقوا ولا تخشوا فقرا ، فإن الذي أنفقتم في سبيله هو مالك السموات والأرض ، وهو متصرف فيهما وعنده خزائنهما ، وكل الأموال صائرة إلى الله سبحانه ، إن لم تنفقوها في حياتكم ، كرجوع الميراث إلى الوارث ، ولا يبقى لكم منه شيء ، فالمال مال الله ، والله يقول : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ، فَهُوَ يُخْلِفُهُ ، وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ ٣٤ / ٣٩] ويقول : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ ، وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) [النحل ١٦ / ٩٦]. وهكذا أمر الله أولا بالإيمان والإنفاق ، ثم أكد إيجاب الإيمان ، ثم أكد في هذه الآية إيجاب الإنفاق.
وبعد أن بيّن الله تعالى أن الإنفاق فضيلة ، بيّن أن المسابقة في الإنفاق تمام الفضيلة ، وأن للمنفقين درجات بحسب أحوالهم ، فقال :
(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ ، أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا) أي لا تساوي بين من أنفق في سبيل الله قبل فتح مكة وقاتل ، ومن أنفق من بعد الفتح وقاتل ، أولئك الأولون أعظم درجة من الآخرين ، لأن حاجة الناس كانت إذ ذاك أكثر ، وهم أقل وأضعف ، ولا يجدون من المال إلا قليلا ، أما بعد الفتح فقد كثر المسلمون ، وزاد الخير.
(وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى ، وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أي وكل واحد من الفريقين وعده الله المثوبة الحسنى ، وهي الجنة ، مع تفاوت الدرجات ، والله عليم بأعمالكم وأحوالكم الظاهرة والباطنة ، فيجازيكم بذلك ، إذ لا يخفى عليه شيء مما أنتم عليه.
أخرج الإمام أحمد عن أنس قال : كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام ، فقال خالد لعبد الرحمن : تستطيلون علينا بأيام