(وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) أي وسبحوه ونزهوه أيضا وقت العشي أو العشاء : وهو شدة الظلام ، وفي وسط النهار وقت الظهيرة.
قال الماوردي : الفرق بين المساء والعشاء : أن المساء : بدوّ الظلام بعد المغيب ، والعشاء : آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب.
ويلاحظ أن تخصيص هذه الأوقات بالتسبيح إنما هو بسبب وجود معالم الانتقال المحسوس من حال إلى حال ، ومن زمن إلى زمن ، يشمل جميع أجزاء اليوم ، بدءا من الصبح أو النهار وقوة الضياء ، إلى الظهر حين تتحول الشمس من جهة المشرق إلى المغرب ، إلى العصر حين يبدأ أفول النهار وقدوم العشي ، إلى المغرب بدء الظلام ، إلى العشاء في شدة الظلام. والمعنى : نزهوا الله عن صفات النقص ، وصفوه بصفات الكمال في جميع هذه الأوقات المتعاقبة ؛ لأن أفضل الأعمال أدومها.
وفي هذا إشارة إلى أصول الإيمان الموجبة للظفر بروضات الجنان ، فبعد أن أبان الله تعالى أن المقام الأعلى والجزاء الأوفى لمن آمن وعمل صالحا في قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) أعلمنا أن الإيمان تنزيه بالجنان ، وتوحيد باللسان ، وأن العمل الصالح القيام بجميع الأركان ، وكل ذلك تسبيح (تنزيه) وتحميد ، يوصل إلى الحبور (السرور والتنعم) في رياض الجنان.
وقد تكرر في القرآن لفت النظر إلى الإضاءة والإظلام ، وأن الله فالق الإصباح ، وجاعل الليل سكنا ، كما قال : (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها ، وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) [الشمس ٩١ / ٣ ـ ٤] ، وقال : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى ، وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) [الليل ٩٢ / ١ ـ ٢] ، وقال : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) [الضحى ٩٣ / ١ ـ ٢].