وخطف ، فيشكروا الله على هذه النعمة ، وهذا امتنان على قريش بما أحلهم من حرم الله الآمن ، كما قال سبحانه : (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش ١٠٦ / ٤].
ولكن عجبا لهم أنهم قابلوا الشكر بالكفر ، أفكان شكرهم على هذه النعمة العظيمة أن أشركوا به ، وعبدوا معه غيره من الأصنام والأنداد ، وبدلوا نعمة الله كفرا ، فكفروا بنبي الله وعبده ورسوله؟! فكان اللائق بهم إخلاص العبادة لله ، وألا يشركوا به ، وأن يصدّقوا برسوله ، ويعظموه ويوقروه.
وبعد بيان حالهم العجيبة وتناقضهم ، أبان الله تعالى أنهم قوم أظلم من يكون ، فقل :
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ ، أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ)؟ أي لا أحد أشد عقوبة ممن كذب على الله بالشرك وتكذيب كتابه ورسوله وقوله : إن الله أوحى إليه ، ولم يوح إليه شيء ، أو قوله إذا فعل فاحشة : إن الله أمر بها ، والله لا يأمر بالفحشاء ، ألا يستوجب هؤلاء المشركون من أهل مكة وأمثالهم المقام في جهنم؟
وهذا تسفيه آرائهم وتقريع لهم ، وتبيين سوء مصيرهم ، بطريق الاستفهام التقريري الذي هو أبلغ في إثبات العقاب المنتظر لهم.
وبعد بيان عاقبة الكافرين ، أبان الله تعالى عاقبة المؤمنين فقال :
(وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ، وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) أي من جاهد بالطاعة ، ونصر دين الله ، وقاتل أعداء الله المكذبين بكتابه ورسوله ، هداه الله ووفقه إلى طريق الجنة وطريق السعادة والخير في الدنيا والآخرة ، كما قال : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) [محمد ٤٧ / ١٧] وجاء في الحديث الثابت : «من عمل بما علم ، ورّثه الله علم ما لم يعلم».