ونحو الاية قوله تعالى : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ، ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ، فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ، وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) [الإسراء ١٧ / ٦٧] وهذا دليل على أن معرفة الله في فطرة كل إنسان.
ذكر محمد بن إسحاق عن عكرمة بن أبي جهل أنه لما فتح رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة ، ذهب فارّا منها ، فلما ركب في البحر ، ليذهب إلى الحبشة ، اضطربت بهم السفينة ، فقال أهلها : يا قوم أخلصوا لربكم الدعاء ، فإنه لا ينجي هاهنا إلا هو ، فقال عكرمة : والله لئن كان لا ينجي في البحر غيره ، فإنه لا ينجي في البر أيضا غيره ، اللهم لك علي عهد لئن خرجت لأذهبنّ ، فلأضعن يدي في يد محمد ، فلأجدنّه رؤفا رحيما ، فكان كذلك».
(لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا ، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) اللام لام العاقبة أو الصيرورة ، أي يشركون لتكون عاقبة أمرهم الكفر بنعمة النجاة ، والتمتع بالاجتماع على عبادة الأصنام ، وعقد الروابط بسببها ، ولكنهم سوف يعلمون عاقبة فعلهم هذا ، وسيجازون الجزاء الوفاق على أعمالهم. وهذا وصف لسوء ما يترتب على شركهم ، وتهديد ووعيد على بقائهم على كفرهم.
ويصح أن تكون اللام لام الأمر ، ويكون المعنى التهديد أي : ليكفروا ، كما قال تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت ٤١ / ٤٠] وقال : (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ ، إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [الزمر ٣٩ / ٣٩] فساد ما تعملون.
ثم وصف الله تعالى تناقض المشركين إذ يلجأون إلى الله وحده مخلصين له الدعاء وقت الشدة ، ويكفرون بالله ويشركون به حين الأمن في بلدهم مكة ، فقال :
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ، أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ ، وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ)؟! أي أولم يعلم هؤلاء المشركون ما أنعمنا به عليهم من إسكانهم في بلد حرام آمن وهو مكة ، لا يتعرضون فيه لقتل وسبي