جاحدون النعمة في الحالتين : نعمة النجاة ونعمة الأمن في بلدهم ، فاستحقوا اللوم والتعنيف ، إذ أنهم في أخوف ما كانوا ، يدعون الله ، وفي آمن ما حصلوا عليه من الأمن السكني ، يكفرون بالله ، فكيف يكفرون بالله حين الأمن. ويؤمنون به حال الخوف؟!
التفسير والبيان :
(وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ، وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) يقارن الله تعالى بين الدنيا والآخرة ، ويخبر بأن الحياة الدنيا حقيرة زائلة لا دوام لها ، وغاية ما فيها لهو يتلهى به ، ولعب يتسلى به ، وأما الآخرة فهي دار الحياة الدائمة التي لا تزول ولا تنقضي ، بل هي مستمرة أبد الآباد ، فلو علموا ذلك لآثروا ما يبقى على ما يفنى.
والفرق بين اللهو واللعب : أن اللعب إقبال على الباطل ، واللهو : إعراض عن الحق. وليس المراد بالحيوان : الشيء النامي المدرك ، وإنما الحيوان مصدر حي كالحياة ، لكن فيها مبالغة ليست في الحياة.
ثم يخبر الله تعالى عن حال المشركين حين الترفع عن الدنيا ووقت التعرض للمحنة والشدة ، فيقول :
(فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) أي إن المشركين عند الاضطرار يدعون الله وحده لا شريك له ، فهلا يكون هذا منهم دائما؟! فتراهم إذا ركبوا في السفينة ، وأحدق بهم الغرق ، دعوا الله وحده ، مفردين إياه بالطاعة ، مخلصين له النية ، صادقين في اتجاههم إلى الله ، فإذا تحقق لهم الأمن والنجاة من الهلاك ، عادوا إلى شركهم ، ودعوا الآلهة المزعومة كافرين بنعمة النجاة.