باطل زائل ، فهو الغني عما سواه ، وكل شيء فقير إليه ، لأن جميع ما في السموات والأرض خلقه وعبيده ، ولا يقدر أحد منهم على تحريك ذرة إلا بإذنه وقدرته ومشيئته ، وأن الله تعالى هو العلي الذي لا أعلى منه ، المرتفع على كل شيء ، الكبير الذي هو أكبر من كل شيء ، العظيم السلطان ، فكل شيء خاضع له.
وبعد ذكر الآيات السماوية الدالة على وجود الله تعالى وقدرته ووحدانيته ، ذكر آية أرضية ، فقال :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أي ألم تعلم أيها المخاطب أيضا أن الله سخر البحر لتجري فيه السفن بأمره ، أي بلطفه وإحسانه وتهيئة الأسباب ، ليرشدكم إلى معرفته ، ويظهر لكم شيئا أو بعضا من قدرته ، فإنه لو لا ما جعل في الماء من قوة يحمل بها السفن ، لما جرت.
إن فيما ذكر من الأدلة السماوية والأرضية لأدلة واضحة وعلامات نيّرة لكل صبّار (كثير الصبر) في الضراء ، شكور في الرخاء ، لأن المؤمن متذكر ربه ، فيصبر إذا أصابته نقمة ، ويشكر إذا أتته نعمة ، قال صلىاللهعليهوسلم فيما رواه البيهقي عن أنس ، وهو ضعيف : «الإيمان نصفان : فنصف في الصبر ، ونصف في الشكر».
ثم ذكر الله تعالى تناقض المشركين واضطرابهم من اللجوء إليه حين الضراء ، ونسيانه حال السراء ، فقال :
(وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ ، دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ ، فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ، وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) أي وإذا أحدقت بهم مخاطر الأمواج العالية التي تشبه الجبال والغمام ، رجعوا إلى الفطرة ، ودعوا الله دعاء حارّا ، مخلصين له الطاعة ، لا يشركون به غيره ، مستغيثين به وحده ، فلما رحمهم ونجوا بفضله من الأهوال المحدقة ، ووصلوا إلى شاطئ البر والسلامة ، فمنهم