وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) أي ويقول المنافقون أمام الناس : صدقنا بالله ربا وبمحمدصلىاللهعليهوسلم رسولا ، وأطعنا الله فيما قضى ، والرسول صلىاللهعليهوسلم فيما حكم به ، ثم يعرض فريق منهم عن قبول حكمه ، فيخالفون أقوالهم بأعمالهم ، ويقولون ما لا يفعلون ، ويرجعون بعدئذ إلى الباقين منهم ، فيظهرون الرجوع عما أعلنوه ، والحقيقة أن أولئك المنافقين ليسوا بالفعل من أهل الإيمان ، وإنما مردوا على النفاق.
وهذا دليل واضح على أن الإيمان لا يكون بالقول ، إذ لو كان به ، لما صح أن ينفي عنهم كونهم مؤمنين. ومن مظاهر نفاقهم وذبذبتهم :
(وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) أي وإذا طلبوا إلى تحكيم كتاب الله واتباع هداه ، وإلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ليحكم بينهم في خصوماتهم ، أعرضوا عن قبول حكم الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم ، واستكبروا عن اتباع حكمه. وهذا ترك للرضا بحكم الرسول صلىاللهعليهوسلم ، كقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ، يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ، وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ، وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ : تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) [النساء ٤ / ٦٠ ـ ٦١].
وفي الآية دلالة على أن حكم الرسول صلىاللهعليهوسلم هو حكم الله القائم على الحق والعدل.
(وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ) أي إذا كان الحكم في صالحهم جاؤوا إليه سامعين مطيعين ؛ لعلمهم بأنه لا يحكم إلا بالحق. وهذا دليل واضح على انتهازيتهم وإرادتهم النفع المعجل ، فهم يعرضون عن حكم النبي صلىاللهعليهوسلم متى عرفوا الحق لغيرهم أو شكّوا ، فأما إذا عرفوه لأنفسهم أسرعوا إلى قبول الحكم النبوي والرضا به.