أقبلت إلى رحلي ، فلمست صدري ، فإذا عقد لي من جزع ظفار (١) قد انقطع.
فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرّهط الذين كانوا يرحّلونني ، فاحتملوا هودجي ، فرحلوه على البعير الذي كنت أركب ، وهم يحسبون أني فيه.
وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ، ولم يغشهن اللحم ، إنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل ، وساروا ، ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش ، فجئت منازلهم ، وليس بها داع ولا مجيب ، فتيممت منزلي الذي كنت فيه ، وظننت أن القوم سيفقدونني ، فيرجعون إلي.
فبينا أنا جالسة في منزلي ، غلبتني عيناي فنمت ، وكان صفوان بن المعطّل السّلمي ثم الذّكواني قد عرّس (٢) من وراء الجيش ، فأدلج (٣) ، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني ، فعرفني حين رآني ، وقد كان رآني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه (٤) حين عرفني ، فخمّرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني كلمة ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته ، فوطئ على يدها ، فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة ، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا في نحر الظّهيرة (٥).
__________________
(١) الجزع : خرز معروف في سواده بياض كالعروق ، وظفار : مدينة باليمن.
(٢) التعريس : نزول القوم في السفر من آخر الليل للاستراحة في بقعة ، ثم يرتحلون.
(٣) أدلج : سار من أول الليل.
(٤) الاسترجاع : أن يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون.
(٥) وسط النهار عند الظهر أي وقت الظهيرة.