وقد أوجب الإمام الشافعي صرف جميع الصدقات الواجبة من الفطرة وزكاة الأموال إلى الأصناف الثمانية ؛ لأن الآية أضافت جميع الصدقات إليهم بلام التمليك ، وشرّكت بينهم بواو التشريك ، وحصرت صرفها في الأصناف الثمانية ؛ لأن لفظة (إِنَّمَا) تقتضي الحصر فيهم ، فدلت الآية على أن الصدقات كلها مملوكة لهم ، مشتركة بينهم. ولا يجوز الصرف لأقل من ثلاثة أشخاص من كل صنف ؛ لأن أقل الجمع ثلاثة.
وأجاز الأئمة الثلاثة الآخرون صرفها إلى صنف واحد ، وإلى شخص واحد من كل صنف في رأي أبي حنيفة ومالك ؛ لأن الآية للتخيير في هذه الأصناف دون غيرهم ، بدليل قوله تعالى : (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة ٢ / ٢٧١] وقولهصلىاللهعليهوآلهوسلم فيما رواه الجماعة عن معاذ بن جبل : «أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم ، وأردها إلى فقرائكم» والمذكور فقط في الآية والحديث هو صنف واحد وهم الفقراء.
ودليلهم على جواز الاقتصار على شخص واحد : هو أن (أل) في الجمع المعرف هنا مجاز في الجنس ، أي جنس الصدقة لجنس الفقير ، وجنس الفقير يتحقق بواحد ، فتصرف إليه. وتحمل (أل) على المجاز ؛ لتعذر حملها على الحقيقة ، وهو استغراق جميع الفقراء ، وإعطاء الصدقة لكل فقير.
والسر في التعبير باللام المفيدة للملك في ستة أصناف (وهم الفقراء والمساكين والعاملون عليها ، والمؤلفة قلوبهم ، والغارمون ، وابن السبيل) أن أصحابها أشخاص يملكون. وأما التعبير ب (فِي) في صنفين (وهما : في الرقاب ، وفي سبيل الله) فلأن المراد الجهة أو الأوصاف والمصالح العامة للمسلمين ، وليس المراد الأشخاص ، وللإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره ، فالتعبير بفي في قوله : (وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) فيه ترجيح لهذين الصنفين على الرقاب والغارمين.