وأما الأمر الثاني فكان بسبب استنفار المسلمين لغزو الروم في غزوة تبوك ، وقد أوضحت الآيات في القسم الأعظم من هذه السورة نفسيات المسلمين ، وظهور عوارض التثاقل والتخلف والتثبيط ، ومراوغة المنافقين ، ودسائسهم الماكرة ، واتخاذهم ما أطلق عليه (مسجد الضرار) الذي نزل بشأنه أربع آيات ، وكرا للتآمر والتخريب ، وتعريتهم بشكل فاضح ، حتى سميت السورة (الفاضحة) لأنها فضحت المنافقين ، ولم تدع لهم سترا إلا هتكته.
والخلاصة : كانت هذه السورة سورة الحسم الكامل لأوضاع غير المسلمين ، وربما كانت أخطر سورة حشدت جيش الإيمان وأعدته للمعركة الفاصلة النهائية بين المسلمين وغيرهم ، سواء في داخل الدولة بتصفية جذور النفاق ، والقضاء على مكر اليهود ، أو في خارج الدولة بالتصدي لغطرسة الروم في غزوة تبوك التي أرهبتهم ، وجمّدت كل تحركاتهم المشبوهة للقضاء على الإسلام والمسلمين.
وكان لهذه التصفية المقدّر والمخطط لها من قبل الله تعالى على الصعيد الداخلي والخارجي الأثر الأكبر في استقرار الدولة الإسلامية ، والحفاظ على كيانها الدولي وإظهار هيبتها ومنعة وجودها ، بعد انتقال مؤسسها وقائدها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الرفيق الأعلى.
أضواء من التاريخ على صلح الحديبية :
عقد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم معاهدة صلح الحديبية سنة ست من الهجرة مع المشركين على وضع الحرب أوزارها ، وعلى السلم والأمان مدة عشر سنوات ، بشروط متسامح فيها عن قوة وعزة ، لا عن ضعف وذلة. ثم نقضت قريش المعاهدة بإعانة حليفتها قبيلة بني بكر على قبيلة خزاعة حليفة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالسلاح والرجال ، فاستغاث عمرو بن سالم الخزاعي على رأس وفد بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأغاثه قائلا :