بكثرتهم انهزموا ، ثم في حال الانهزام لما تضرعوا إلى الله قواهم حتى هزموا عسكر الكفار ، وهو يدل على أن الإنسان متى اعتمد على الدنيا فاته الدين والدنيا ، ومتى أطاع الله ورجح الدين على الدنيا ، آتاه الله الأمرين معا على أحسن الوجوه ، فكان ذكر ذلك تسلية عن مقاطعة الآباء ومن عداهم ، لمصلحة الدين ، وإعلاما للمؤمنين ليتذكروا أن عنايته تعالى لهم بالقوة المعنوية ، لا بالكثرة العددية.
قال مجاهد : هذه أول آية نزلت من براءة يذكر تعالى للمؤمنين فضله عليهم ، وإحسانه لديهم في نصره إياهم ، في مواطن كثيرة من غزواتهم مع رسوله ، وأن ذلك من عنده تعالى وبتأييده وتقديره ، لا بعددهم ولا بعددهم ، ونبههم على أن النصر من عنده ، سواء قل الجمع أو كثر ، فإن يوم حنين أعجبتهم كثرتهم ، ومع هذا ما أجدى ذلك عنهم شيئا ، فولوا مدبرين إلا القليل منهم ، مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم أنزل نصره وتأييده على رسوله وعلى المؤمنين الذين معه ، ليعلمهم أن النصر من عنده تعالى وحده ، وبإمداده ، وإن قل الجمع ، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ، والله مع الصابرين.
أضواء من التاريخ على وقعة حنين :
كانت هوازن قوة كبيرة بعد قريش ، وكانت تنافسها ، فلما بلغها فتح مكة ، نادى سيدهم مالك بن عوف النصري بالحرب ، واجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها ، ونصر وجشم كلها ، وسعد بن بكر ، وأجمع السير إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وساق مع جيشه أموالهم ومواشيهم ونساءهم وأولادهم ، وزعم أن ذلك يحمي نفوسهم به ، ويقوي شوكتهم ، وكان على ثقيف كنانة بن عبيد ، وشهد الحرب دريد بن الصمة ، وكان شيخا كبيرا ، له رأي وحكمة ، ونزلوا بأوطاس : واد في ديار هوازن عند الطائف ، كانت فيه وقعة حنين.
ولما علم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بأمرهم ، خرج إليهم ، وكان معه إثنا عشر ألفا من