وإن نار جهنم لمحيطة بهم ، لا يجدون عنها محيدا ولا محيصا ولا مهربا. وهذا وعيد شديد لهم بأنهم أهل جهنم ؛ لكثرة خطاياهم ، كما قال تعالى : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً ، وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ، فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [البقرة ٢ / ٨١].
ثم ذكر الله تعالى نوعا آخر من كيد المنافقين وخبث باطنهم ، معلما نبيهصلىاللهعليهوآلهوسلم بعداوتهم ، فقال : (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ ...) أي إن عرضت لك في بعض الغزوات حسنة ، أي فتح ونصر وغنيمة ، كيوم بدر ، ساءهم ذلك ؛ وإن أصابتك مصيبة ، أي نكبة وشر وشدة كانهزام وتراجع في معركة ، كما حدث يوم أحد ، قالوا : قد اتخذنا ما يلزم من الحذر والتيقظ والعمل بالحزم ، واحترزنا من متابعته من قبل هذا الذي وقع ، إذ تخلفنا عن القتال ، ولم نتعرض للهلاك ؛ لأنا متوقعون هذه الهزيمة ، وانصرفوا إلى أهاليهم عن موضع التحدث والمفاخرة بآرائهم هذه ، وهم مسرورون للنتيجة.
والحسنة : ما يسرّ النفس حصوله ، والسيئة : ما يسوء النفس وقوعه.
فأرشد الله تعالى رسوله إلى إجابتهم عن هذا الموقف الشامت فقال : قل لهم : لن يصيبنا أبدا إلا ما كتب وخطّ لنا في اللوح المحفوظ ، فنحن تحت مشيئته وقدره ، هو مولانا ، أي ناصرنا ومتولي أمورنا ونتولاه ، كما قال تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ، وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) [محمد ٤٧ / ١١] فكل ما كتب لنا هو الخير والصلاح.
وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون ، أي ونحن متوكلون عليه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وحق المؤمنين ألا يتوكلوا على غير الله ، فليفعلوا ما هو حقهم ، ومن حقهم اتخاذ ما يجب من أسباب النصر المادية والمعنوية ، كإعداد العدة