ويحتمل أن يكون قوله تعالى : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ...) منقطعا عما قبله وأنه حكم مستأنف ، للتحريض على قتال المشركين ، أي كما يجتمعون لحربكم إذا حاربوكم ، فاجتمعوا أنتم أيضا لهم إذا حاربتموهم ، وقاتلوهم بنظير ما يفعلون.
ثم قال الله تعالى مطمئنا المؤمنين بالنصر : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) أي أن الله تعالى مؤيد وناصر الأولياء الأتقياء الذين يتخذون وقاية من مخالفة أمره ، وهو معهم بالمعونة والنصر فيما يقومون به من أعمال القتال وغيره.
ثم أبان الله تعالى سبب استحقاق المشركين القتال والذم العظيم وهو تصرفهم في شرع الله بآرائهم الفاسدة ، وتغييرهم أحكام الله بأهوائهم الخاصة ، وتحليلهم ما حرم الله ، وتحريمهم ما أحلّ الله ، وذلك بالتلاعب في الزمان والوقت بلجوئهم إلى كبس السنة القمرية لتساوي السنة الشمسية ، وعملهم النسيء في الأشهر الحرم ؛ لأنه كان يشق عليهم ترك القتال وشن الغارات ثلاثة أشهر متواليات.
أما كبس السنة القمرية : فهو تكميل النقص الذي في السنة القمرية لتساوي السنة الشمسية ، فيزيدون كل ثلاث سنين شهرا في العام ، وذلك لأن السنة القمرية تنقص عن السنة الشمسية أحد عشر يوما تقريبا ، إذ هي (١٠٠٠ / ٣٦٦ ٣٥٤ يوما) فتنتقل الشهور العربية من فصل إلى فصل ، فيكملون النقص بأن يزيدوا في كل ثلاث سنوات شهرا ، لتكون السنة قمرية شمسية ، وليجعلوا وقت الحج في زمن معين وفقا لمصلحتهم ، لينتفعوا بتجاراتهم ، فكانوا إذا حضروا للحج حضروا للتجارة ، وربما يكون الوقت غير مناسب لحضور التجارات من أنحاء البلاد ، فيختل بذلك نظام تجارتهم ؛ إذ قد يكون الحج مرة في الشتاء ، ومرة في الصيف ، فيشق ذلك على العرب أيام الجاهلية ، فاختاروا للحج وقتا معينا ، وثبّتوا السنة القمرية كالسنة الشمسية لتنتظم علاقاتهم التجارية مع غيرهم من الشعوب الأخرى ، مع احتفاظهم بمراعاة نظام السنة القمرية في المعاملات والعبادات الذي توارثوه عن إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام.