قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : أليس ذا الحجة؟ قلنا : بلى ، ثم قال : أي بلد هذا؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : أليست البلدة؟ قلنا : بلى ؛ قال : فإن دماءكم وأموالكم ـ وأحسبه قال : وأعراضكم ـ عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا.
وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ؛ ألا لا ترجعوا بعدي ضلّالا يضرب بعضكم رقاب بعض ؛ ألا هل بلغت؟ ألا ليبلّغ الشاهد منكم الغائب ، فلعلّ من يبلّغه يكون أوعى له من بعض من سمعه».
ثم قال الله تعالى : (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي أن تحريم الأشهر الأربعة هو الدين المستقيم دين إبراهيم وإسماعيل ، أي الحكم والشرع الذي لا التواء فيه ولا اعوجاج ، فلا يجوز نقل تحريم المحرم مثلا إلى صفر ، خلافا لما كان يفعل أهل الجاهلية من تقديم بعض أسماء الشهور وتأخير البعض.
وكانت العرب قد تمسكت بتعظيم هذه الأشهر الحرم وراثة عن إبراهيم وإسماعيل ، ويحرمون القتال فيها ، حتى لو لقي الرجل قاتل أبيه أو أخيه ، لم يتعرض له. وسموا رجبا : الأصم ، حتى أحدث النسيء ، فغيروا وبدلوا وأخلّ أهل الجاهلية بحرمة هذه الأشهر.
(فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أي لا تظلموا في الأشهر الحرم أنفسكم ، باستحلال حرامها ، فإن الله عظّمها ، وإياكم أن تعملوا النسيء فتنقلوا الحج من شهره إلى شهر آخر ، وتغيروا حكم الله تعالى.
والمراد النهي عن جميع المعاصي بسبب ما لهذه الأشهر من تعظيم الثواب والعقاب فيها ، كما قال تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ، فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) [البقرة ٢ / ١٩٧].