فرد وهو رجب ، أي ذات حرمة وتعظيم تمتاز بها عن بقية الشهور ، فقد ورد أن المعصية فيها أشد عقابا ، وأن الطاعة فيها أعظم ثوابا ، ولله تعالى أن يعظم بعض الأزمنة والأمكنة كما يشاء ، فقد فضل البلد الحرام عن سائر البلاد ، وميّز يوم الجمعة ويوم عرفة وعشر ذي الحجة عن سائر الأيام ، وميز شهر رمضان وأشهر الحج عن بقية الشهور كما قال تعالى : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ) [البقرة ٢ / ١٩٧] وإن كان ذلك محرما في سائر الشهور ، وميز بعض الليالي كليلة القدر ، وبعض الأشخاص بالرسالة أو النبوة.
وكان القتال محرما في هذه الأشهر الأربعة على لسان إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام ، واستمر العرب على ذلك ، ثم نسخت حرمتها ؛ عن عطاء الخراساني رضياللهعنه قال : أحلّت القتال في الأشهر الحرم : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ).
وجاءت السنة مبينة حرمة الأشهر وثباتها في وقتها الصحيح ، روى الإمام أحمد والبخاري في التفسير عن أبي بكرة أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خطب في حجة الوداع ، فقال : «ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم : ثلاثة متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرّم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» أي رجعت الأشهر إلى ما كانت عليه ، وعاد الحج في ذي الحجة ، وبطل النسيء الذي كان في الجاهلية. وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة ، وكانت حجة أبي بكر رضياللهعنه قبلها في ذي القعدة(١).
ثم قال : «أي يوم هذا؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : أليس يوم النحر؟ قلنا : بلى ، ثم قال : أي شهر هذا؟
__________________
(١) الكشاف : ٢ / ٣٨