والمراد بالمسجد الحرام : جميع الحرم كما هي عادة القرآن ، إلا ما استثني ، فالعندية فيه على حذف مضاف أي قرب المسجد الحرام.
فهؤلاء حكمهم أنهم ما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ، أي فما أقاموا على الوفاء بعهدكم ، فأقيموا لهم على مثل ذلك. فأما من لا عهد له فقاتلوه حيث وجدتموه إلا أن يتوب. وهو كقوله : (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) غير أن الكلام هنا مطلق ، والآية النظير مقيدة. وأعيد ذكرهم هنا لبيان أنه يجب أن تكون الاستقامة على العهد مرعية من الطرفين المتعاقدين إلى نهاية المدة ، وأما غيرهم فينبذ عهدهم.
ثم أكد الله تعالى ضرورة الوفاء لهم بالعهد بقوله : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) أي يرضى عن الذين يوفون بالعهد ، ويتقون الغدر ونقض العهد. وهذا تعليل لوجوب الامتثال ، وتبيين بأن مراعاة العهد من باب التقوى ، وإن كان المعاهد مشركا.
ثم كرر الله تعالى قوله : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا) لاستبعاد ثبات المشركين على العهد ، أي كيف يكون لغير الذين يوفون بعهدهم عهد مشروع محترم واجب الوفاء عند الله وعند رسوله؟ والحال أنهم إن يظفروا بكم ، لم يراعوا حلفا ولا قرابة ولا عهدا. وهذا تحريض للمؤمنين على معاداتهم والتبري منهم ، وتبيان أنهم لا يستحقون أن يكون لهم عهد ، لشركهم بالله تعالى وكفرهم برسوله ، ولأنهم إن تغلبوا على المسلمين لم يبقوا ولم يذروا ، ولا يراعوا فيهم إلّا ولا ذمة أي حلفا وعهدا.
ومن خبثهم وضغينتهم أنهم قوم مخادعون يظهرون الكلام الحسن بأفواههم ، وقلوبهم مملوءة حقدا وحسدا وكراهية : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) [الفتح ٤٨ / ١١] وأكثرهم فاسقون أي متمردون لا عقيدة تزعهم ولا مروءة تردعهم ،