خارجون من أصول الدين والمروءة والأخلاق ، متجاوزون حدود الصدق والوفاء ، متحللون من قيود العهد والميثاق. وقال : (أَكْثَرُهُمْ) لأن نقض العهد كان من الأكثرين ، وهناك أقلية حافظت على الوفاء بالعهد ، استثناهم تعالى وأمر بالوفاء بعهدهم.
ثم ذكر تعالى سببين آخرين للبراءة والقتال وهما :
١ ـ إنهم اشتروا أي اعتاضوا واستبدلوا بآيات الله الدالة على الحق والخير والتوحيد ثمنا قليلا حقيرا من متاع الدنيا ، وهو اتباع الأهواء والشهوات ، والالتهاء بأمور الدنيا الخسيسة ، فصدوا عن سبيله ، أي عدلوا بسبب هذا الشراء الخسيس أنفسهم عن الإسلام وأخلاقه ، وصرفوا أيضا غيرهم عنه ، فمنعوا الناس من اتباع الدين الحق ، إنهم ساء ما كانوا يعملون ، أي بئس العمل عملهم ، وقبح ما ارتضوه لأنفسهم من الكفر والضلالة والصدّ عن دين الله ، بدلا من الإيمان والهدى ، واتباع شرع الله. روي أن أبا سفيان لما أراد إقناع قريش وحلفائها بنقض عهد الحديبية ، صنع لهم طعاما استمالهم به ، فأجابوه إلى ما طلب.
٢ ـ وهم من أجل كفرهم لا يراعون في شأن مؤمن قدروا على الفتك به حلفا ولا قرابة ولا عهدا على الإطلاق ، وأولئك هم المعتدون ، أي المجاوزون الغاية في الظلم والشر ، فهم لا يفهمون بغير لغة السيف ، والخضوع للقوة لا للعهد والذمة ، وقد أثبت التاريخ أنهم كذلك في الواقع. وقد أجمل القرآن صفاتهم بأنهم أولا هم الفاسقون ، وثانيا بأنهم المعتدون ، فكيف يحترمون العهود؟
وقوله هنا : (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) ليس تكرارا ؛ لأن الأول لجميع المشركين ، والثاني لليهود خاصة ، بدليل قوله : (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) يعني اليهود ، فلو أريد بالثاني المشركون كان تكرارا للتأكيد والتفسير.