(كَيْفَ) يكون لهم عهد ، تكرار لاستبعاد ثبات المشركين على العهد ، وحذف الفعل لكونه معلوما. (وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) يظفروا بكم ويغلبوكم. (لا يَرْقُبُوا) لا يراعوا ، ومنه : فلان لا يرقب الله في أموره ، أي لا ينظر إلى عقابه. (إِلًّا) الإل : الحلف ، وقيل : القرابة ، واشتقاق الإلّ بمعنى الحلف ؛ لأنهم كانوا إذا تحالفوا ، رفعوا به أصواتهم وشهروه ، من الإل : وهو الجؤار. وسميت به القرابة لأن القرابة عقدت بين الرجلين ما لا يعقده الميثاق. (وَلا ذِمَّةً) الذمة والذمام : العهد ، الذي يلزم من ضيّعه الذمّ. (فاسِقُونَ) المراد به هنا ناقضون للعهد والميثاق ، متجاوزون ما يوجبه الصدق والوفاء. والعهد : ما يتفق طرفان من الناس على التزامه بينهما لمصلحتهما المشتركة ، فإن أكداه بما يقتضي زيادة العناية بحفظه والوفاء به سمي ميثاقا ، وإن أكداه باليمين خاصة سمي يمينا.
المناسبة :
بعد أن ذكر الله تعالى براءة الله ورسوله من عهود المشركين ، وإعلان الحرب عليهم بعد أربعة أشهر إلا من يستجير أو يستأمن لسماع كلام الله أو للرسالة أو للتجارة ، أبان سبب البراءة من المشركين وإمهاله إياهم أربعة أشهر ، ثم مناجزتهم بكل أنواع القتال ، وهو نقضهم العهود ومعاملتهم بالمثل.
التفسير والبيان :
كيف يكون للمشركين الناكثين للعهد عهد محترم عند الله وعند رسوله؟ وهذا استفهام بمعنى الإنكار والاستبعاد لأن يكون لهم عهد ، وهم في الواقع أعداء الداء حاقدون مضمرون الغدر ، مشركون بالله ، كافرون به وبرسوله ، يعني محال أن يثبت لهم عهد ، فلا تطمعوا في ذلك. وهذا بيان حكمة البراءة وسببها.
ثم استدرك واستثنى الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ، وهم بنو بكر وبنو ضمرة الذين لم ينقضوا عهودهم المعقودة معهم يوم الحديبية ، أي ليس العهد إلا لهؤلاء الذين لم ينقضوا ولم ينكثوا ، وهم المستثنون من قبل في قوله : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً).