مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه» وما جاء في صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار المتقدم.
والتوفيق بين آية : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ ...) وآية : (فِطْرَتَ اللهِ ...) وما يؤيد كليهما من الأحاديث : هو أن الله تعالى فطر الخلق كلهم على معرفته وتوحيده والعلم بأنه لا إله غيره ، كما أخذ عليهم الميثاق بذلك ، وجعله في غرائزهم وفطرهم.
وبعد هذا الخلق على هذا النحو الفطري السليم ، قدّر تعالى ، وعلم في علمه الأزلي القديم السابق أنه سيكون من الخلق المؤمن والكافر ، والشقي والسعيد ، وسيطرأ تغير على الحالة الأصلية التي فطروا عليهم ، وهو معنى قوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ ، فَمِنْكُمْ كافِرٌ ، وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) أي سيؤول أمره في ثاني الحال إلى الكفر بعد الإيمان ، وقدر الله نافذ في بريته ، فإنه هو (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) [الأعلى ٨٧ / ٣] و (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ، ثُمَّ هَدى) [طه ٢٠ / ٥٠] (١).
فقه الحياة أو الأحكام :
دلّت الآيات على ما يأتي :
١ ـ تقليد الآباء والأسلاف مرفوض عقلا وطبعا ؛ لأن الله ميّز الإنسان بالعقل الذي يستطيع به التمييز بين الحق والباطل ، فإن كان الآباء على حق وخير ، جاز اتباعهم وتقليدهم ، وإن كانوا على ضلالة وشر ، وجب البعد عن منهجهم وطريقهم ، وإلا كانوا على جهل وخطأ.
٢ ـ لا يأمر الله إلا بالعدل والاستقامة ، وهو منزّه عن الأمر بالفحشاء والمنكر والمعاصي.
__________________
(١) انظر تفسير ابن كثير : ٢ / ٢٠٩