وَقالُوا : ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا ، وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا ، وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ ، سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ، إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) [الأنعام ٦ / ١٣٨ ـ ١٣٩] حقا إنه تعالى حكيم عليم بالتحريم والتحليل ، ولكن المشكلة تكمن في إهمال العقل وتعطيل الفكر ، إنها آفة العقل المعطل لدى زعماء الجاهلية وأتباعها!!
والخلاصة : لقد حرموا على أنفسهم من الأنعام ما لم يحرمه الله ، اتباعا منهم خطوات الشيطان ، فوبخهم الله تعالى بذلك ، وأخبرهم أن كل ذلك حلال ، فالحرام من كل شيء : ما حرمه الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم بنص أو دليل ، والحلال منه : ما أحله الله ورسوله كذلك.
وقد استدل أبو حنيفة رضياللهعنه بهذه الآية في منعه الأحباس ورده الأوقاف ، بأن الله تعالى عاب على العرب ما كانت تفعل من تسييب البهائم وحمايتها وحبس أنفاسها عنها ، وقاس على البحيرة والسائبة. غير أن هناك فرقا بيّنا بين الأوقاف الإسلامية للأراضي والدور ونحوها ، وبين هذه الأحباس التي لا معنى لها ، وقد عابهم الله أن تصرفوا بعقولهم بغير شرع توجه إليهم ، وعطلوا المنافع والمصالح للناس في تلك الإبل من غير فائدة.
لذا قرر جمهور العلماء القول بجواز الأحباس والأوقاف ؛ لما روي أن ابن عمر في رواية النسائي استأذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في أن يتصدق بسهمه بخيبر ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «احبس الأصل وسبّل الثمرة» أي اجعلها وقفا وأبح ثمرتها لمن وقفتها عليه ، وهو حديث صحيح. وقد أجمع الصحابة على مشروعية الوقف ، وذلك أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا ، وعائشة وفاطمة ، وعمرو بن العاص ، وابن الزبير ، وجابرا كلهم وقفوا الأوقاف ، وأوقافهم بمكة والمدينة معروفة مشهورة. وروي أن أبا يوسف قبل أن يرجع عن قول أبي حنيفة في ذلك قال