فهؤلاء المؤمنون بالله وبالغيب وباليوم الآخر هم الذين ينتفعون بالقرآن. أما المادّيون الذين لا يؤمنون بغير المادّة ، فقد حجبوا عن أنفسهم نور الهداية الإلهية ، فطبع الله على قلوبهم وأصمّهم وأعمى أبصارهم. وهذا مثل قوله تعالى : (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ ، وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ ، وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) [فاطر ٣٥ / ١٨].
ثم منع الله نبيّه من تقريب كفار قريش وأشرافهم المترفين ، ومن تنحية المؤمنين المستضعفين وطرد الضّعفاء من الناس ، فقال : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ ...) أي لا تبعد عنك هؤلاء المتّصفين بهذه الصفات ، بل اجعلهم جلساءك وخلصاءك ، وصفاتهم أنهم مؤمنون حقّ الإيمان ، موحّدون ربّهم دون شائبة شرك ، يدعون ربّهم بالغداة والعشي أي في الصّباح والمساء وجميع الأوقات ، يخلصون في طاعتهم وعبادتهم ، فلا يقصدون إلا إرضاء الله تعالى ، ولا يريدون من عبادتهم إلا ذات الله وحقيقته ؛ لأنه المستحق للعبادة. ونظير الآية قوله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ، وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ ، تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا ، وَاتَّبَعَ هَواهُ ، وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) [الكهف ١٨ / ٢٨].
وموقف هؤلاء المشركين له شبيه بموقف قوم نوح حين قال أشرافهم له : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) [هود ١١ / ٢٧] ، وقوله لهم : (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ، إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ، وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) [هود ١١ / ٢٩].
ثم حصر الله تعالى حساب هؤلاء بربّهم ، كما قال تعالى : (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي) [الشعراء ٢٦ / ١١٣] ، وذلك أنهم طعنوا في دينهم وإخلاصهم ، فقال تعالى : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) بعد أن شهد الله لهم بالإخلاص