وروى ابن جرير أيضا وابن مردويه عن سعد أنه قال : صنع رجل من الأنصار طعاما ، فدعانا ، فشربنا الخمر حتى انتشينا ، فتفاخرت الأنصار وقريش ، فقالت الأنصار : نحن أفضل منكم ، فأخذ رجل من الأنصار لحي جمل (فك جزور) فضرب به أنف سعد ، ففزره ، فكان سعد أفزر الأنف ، فنزلت هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ..) الآية (١) وروى البخاري عن أنس قال : كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة ، فنزل تحريم الخمر ، فأمر مناديا ينادي ، فقال أبو طلحة : اخرج فانظر هذا الصوت! قال : فخرجت فقلت : هذا مناد ينادي : ألا إن الخمر قد حرّمت ، فقال : اذهب فأهرقها ـ وكان الخمر من الفضيخ (٢) ـ قال : فجرت في سكك المدينة ، فقال بعض القوم : قتل قوم وهي في بطونهم ، فأنزل الله عزوجل : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) الآية.
المناسبة :
لما نهى الله تعالى فيما تقدم : (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) إلى قوله : (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) وكان من جملة الأمور المستطابة : الخمر والميسر ، بيّن عزوجل أنهما غير داخلين في المحللات ، بل في المحرمات (٣).
الحكمة في التدرج بتحريم الخمر : كان العرب في الجاهلية مدمنين الخمر ، متعلقين بها أشد التعلق ، فلو حرمت عليهم دفعة واحدة ، لم يقلع الكثير عنها ، وإنما عرّض تعالى بالتحريم في سورة البقرة ، ثم في سورة النساء في أوقات الصلاة ، فامتنعوا عن شربها نهارا ، وشربوها ليلا. روى ابن جرير عن
__________________
(١) تفسير الطبري : ٧ / ٢٢
(٢) الفضيخ : شراب يتخذ من البسر المفضوخ وحده ، من غير أن تمسه النار ، والمفضوخ : المشدوخ.
(٣) تفسير الرازي : ١٢ / ٧٩