والمرض والسقم والألم ، لعلهم يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون ؛ إذ الشدائد تصقل النفوس ، وتنبت الرجال وتهذب الأخلاق. وهذه الآية متصلة بما قبلها اتصال الحال بحال قريبة منها ؛ لأن المشركين سلكوا في مخالفة نبيهم مسلك من كان قبلهم ، فكانوا متعرضين لأن ينزل بهم من البلاء ما نزل بمن كان قبلهم.
ثم أكد تعالى الحض على التضرع فقال : فهلا تضرعوا إلينا خاشعين تائبين حين جاءهم بأسنا وظهرت بوادر العذاب ، ولكن لم يفعلوا وقست قلوبهم ، أي ما رقّت ولا خشعت ، فهي كالحجارة أو أشد قسوة ، فلم يعتبروا ، وزيّن لهم الشيطان أفعالهم من الشرك والفجور والمعاندة والمعاصي ، ووسوس لهم بان يبقوا على ما كان عليه آباؤهم.
ثم نزل بهم العقاب مقرونا ببيان سببه وحيثياته ، فقال تعالى : (فَلَمَّا نَسُوا (١) ..) أي لما أعرضوا عما ذكّرهم به رسلهم من الإنذار والبشارة ، وتناسوه ، وجعلوه وراء ظهورهم ، وأصرّوا على كفرهم وعنادهم ، فتحنا عليهم أبواب الرزق وألوان رخاء العيش والصحة والأمن وغير ذلك مما يختارون ، وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم ، حتى إذا فرحوا بما أوتوا من الأموال والأولاد والأرزاق ، أخذناهم على غفلة بعذاب الاستئصال ، فإذا هم آيسون من النجاة ومن كل خير.
فهلك القوم الذين ظلموا أنفسهم بتكذيب الرسل والإبقاء على الشرك واستوصوا ، فلم يبق منهم أحد ، والثناء الخالص لله رب العالمين على إنعامه على رسله وأهل طاعته ، ومعاقبة أهل الكفر والفساد. وهذا يشير إلى أن إبادة المفسدين نعمة من الله ، وأن في الضراء والبأساء عبرة وعظة ، وأن الانغماس في الترف وسعة المعيشة قد يكون استدراجا ومقدمة للعقاب ، وأن ذكر الله واجب في خاتمة كل أمر.
__________________
(١) ليس المراد به النسيان الغالب على الإنسان ، وإنما بمعنى تركوا ما ذكّروا به.