بأمثالكم من الأمم السابقة كالخسف ، والريح الصرصر العاتية ، والصاعقة ، والطوفان ، أو أتتكم القيامة بأهوالها وخزيها ونكالها ، أتدعون غير الله لكشف ما نزل بكم من البلاء؟ أم تدعون آلهتكم الأصنام التي تفزعون إليها ، إن كنتم صادقين في اتخاذكم آلهة معه؟
ثم أجابهم عن هذا التساؤل الموجّه للتبكيت والإلزام بقوله : (بَلْ) للإبطال لما تقدم. والجواب أنكم في وقت الشدة والمحنة والضرورة لا تدعون أحدا سوى الله ، فأنتم تدعونه لكشف وإزالة ما نزل بكم من الضرر ، وهو يكشف ذلك على وفق حكمته ومشيئته ، وتنسون ما تشركون أي تتركون آلهتكم ، ولا تذكرون في ذلك الوقت إلا الله ، كقوله عزوجل : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء ١٧ / ٦٧] وقوله : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت ٢٩ / ٦٥] وقوله : (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ ، دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ ، فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ، وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) [لقمان ٣١ / ٣٢].
وذلك أن الله تعالى أودع في فطرة الإنسان التوحيد والإذعان للخالق الحقيقي ، الباهر القدرة الذي تفوق قدرته كل شيء ، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. وأما الشرك فهو شيء عارض موروث في الأقوام البدائية ، حتى إذا نزلت المحنة تضرعوا إلى الله : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) [الروم ٣٠ / ٣٠].
ثم ضرب الله المثل بالأمم السابقة وعقد قياسا للعبرة ، وللإعلام بأن من سنته التشديد على عباده ، ليرجعوا عن غيهم ، ويعودوا إلى رشدهم فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا ...) أي لقد أرسلنا رسلا إلى أمم قبلك ، فدعوهم إلى التوحيد وعبادة الله ، فلم يستجيبوا لهم ، فاختبرناهم بالبأساء والضراء ، أي بالفقر وضيق العيش ،