ثم أكدّ لله تعالى عدم تبديل كلماته بقوله : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) أي ولقد أخبرناك من أخبار المرسلين التي تفيد تكذيب الناس لهم وصبرهم ثم نصر الله لهم كما قال : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) [غافر ٤٠ / ٥١] وقال أيضا : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم ٣٠ / ٤٧] والنصر مقيد كما هو واضح في هذه الآية وغيرها بشرط توافر الإيمان الصحيح وصدق المؤمنين ، كما قال تعالى : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ، إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج ٢٢ / ٤٠] وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ ، وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) [محمد ٤٧ / ٧].
وأراد الله أن يستأصل شدة وقع الحزن والألم على قلب النّبي صلىاللهعليهوسلم بسبب إعراض قومه عن دعوته ، فقال له : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ ...) أي إن كان شق عليك إعراضهم عنك ، فإن استطعت أن تطلب لنفسك نفقا في أعماق الأرض ، فتسير فيه ، أو سلّما في أجواء السماء ، فترقى فيها إلى ما فوقها ، فتأتيهم بآية مما اقترحوا عليك ، فأت بها ، ولكنك مجرد رسول من عندنا ، لا تستطيع شيئا إلا بإرادتنا ، وكل رسول لا يقدر على شيء أبدا مما يعجز عنه البشر إلا بدعم من الله عزوجل.
ومن أمثلة اقتراحاتهم الإتيان بمعجزات مادية محسوسة كما طلب اليهود تماما : تفجير ينبوع في الأرض ، أو تنزيل كتاب من السماء ونحو ذلك ، كما قال تعالى حاكيا مطالبهم : (وَقالُوا : لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ ، فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً. أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً ، أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً. أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ ، وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ ، حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ ، قُلْ : سُبْحانَ رَبِّي ، هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء ١٧ / ٩٠ ـ ٩٣] أي أنك بشر لا تقدر على شيء مما يعجز عنه سائر البشر ، ولا يستطيع إيجاده غير الله تعالى.