كل منهم يعلم حقيقة أن محمدا رسول الله ، ولكنهم يعارضون الحق ويقاومونه عنادا منهم واستكبارا وحفاظا على مراكزهم بين الناس.
لهذا فلا تحزن أيها الرسول عليهم ، واصبر على تكذيبهم وإيذائهم ، كما صبر رسل الله قبلك وكما أوذوا ، حتى يتوج الله جهودك بالفوز والغلبة ، ويكلل مساعيك بتبليغ دعوتك بالنصر والانتقام من أعدائك المكذبين ، كما نصر رسله الكرام السابقين.
ثم أكد تعالى هذا النصر وإنجازه لك كما نصر الرسل ، فقال : (وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ) أي لا تغيير ولا خلف في وعد الله ووعيده ، فوعد الله بالنصر في الدنيا والآخرة نافذ منجز لعباده المؤمنين ، وكذا وعيده لا حق بالكافرين ، كما ذكرت من آيات مماثلة في بيان المفردات.
ونظير هذه قوله تعالى : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) [فاطر ٣٥ / ٤] وقوله : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ) [الحج ٢٢ / ٢].
والآية تسلية للنّبي صلىاللهعليهوسلم بعد تسلية ، وإرشاد إلى سنة شائعة في الرسل والأمم ، وما على النبي إلا الصبر على الأذى والإعراض كما قال تعالى : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف ٤٦ / ٣٥] وقال أيضا : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ ، وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) [المزمل ٧٣ / ١٠].
وقد تحقق فعلا أثر الصبر ، ونجحت دعوة الإسلام ، وانتشرت في المشارق والمغارب ، وظهرت حكمة تكرار التسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بأمثال هذه الآيات مع الأمر بالصبر مرارا وتكرارا ؛ لأن التأسي والاصطبار يهوّن المصائب ، ويؤذن بالفرج : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الانشراح ٩٤ / ٥ ـ ٦].