كل ذلك مرهون بإرادة الله ومشيئته ، فلو شاء الله تعالى هدايتهم ، لهداهم ، بأن يخلق فيهم الإيمان كالملائكة ، أو بأن يخلقهم مستعدين للإذعان للحق والإقرار بهدايات الرسل وما جاؤوا به من خير للعالم ، ولكن شاء الله اختلافهم وتفاوتهم واختبارهم ، كما قال تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس ١٠ / ٩٩] وقال : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ، وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ، وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ...) [هود ١١ / ١١٨ ـ ١١٩].
قال ابن عباس في قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) : إن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم كان يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى ، فأخبره الله أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة في الذكر الأول.
وإذا عرفت يا محمد سنة الله في خلق الإنسان ، وأنه لا تبديل لخلق الله ، فلا تكونن أحد الجاهلين لسننه في ذلك ، فتتأمل ما يكون مخالفا تلك السنن التي اقتضتها الحكمة الإلهية.
فقه الحياة أو الأحكام :
الحقيقة المستقرة في أذهان الكفار الذين عادوا دعوة النّبي صلىاللهعليهوسلم أنه صادق أمين ، ما عرفوا عليه كذبا ولا خيانة ، لذا فإنهم لا ينسبون إليه الكذب في الأمر الواقع نفسه ، ولكنهم يزعمون أن ما جاء به من أخبار الغيب والإيمان بالبعث والجزاء كذب غير واقع. قال الرازي : ظاهر هذه الآية يقتضي أنهم لا يكذبون محمدا صلىاللهعليهوسلم ، ولكنهم يجحدون بآيات الله ، ثم ذكر أربعة وجوه في نفي التكذيب وإثبات الجحود وهي :
١ ـ إنهم ما كانوا يكذبونه في السر ، ولكنهم كانوا يكذبونه في العلانية ، ويجحدون القرآن والنبوة.