وذكر بعضهم أن الآية تدل على عدم جواز أخذ الأجر على التعليم ، لأنّها تدل على لزوم إظهار العلم وترك كتمانه ، ولا يستحق إنسان أجرا على عمل يلزمه أداؤه ، كما صرحت آية : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) [البقرة ٢ / ١٧٤] فدل ذلك على بطلان أخذ الأجر على تعليم القرآن وعلوم الدين.
لكن أفتى المتأخرون بجواز أخذ الأجور على تعليم العلوم الدينية ، لتهاون الناس بها ، وانصرافهم إلى الاشتغال بمتاع الحياة الدنيا ، حتى لا تضيع العلوم ، ولانقطاع مخصصات العلماء من بيت مال المسلمين ، واضطرار العلماء إلى التزود بما يعينهم على شؤون الحياة.
ودلت آية كتمان ما أنزل الله على شدة النكير على الكاتمين ووعيدهم ، لما في الكتمان من الضرر الجسيم بالناس ، وتعطيل الكتب السماوية ، ووظيفة الرسالة النّبوية ، ولأن العلم يحرم كتمه ، ويجب نشره وتعميمه ، فإن أقدم إنسان على حرمان الناس من علمه ، استحق اللعنة الأبدية من الله ومن الناس أجمعين ، لأنهم حرموا الخير والنور ومعرفة طريق الهدى والرشاد.
وقد أرشد قوله سبحانه في تحريم كتمان ما أنزل الله من البينات والهدى إلى وجوب العمل بقول الواحد ، لأنه لا يجب عليه البيان ، إلا وقد وجب قبول قوله ، وقال تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا) فحكم بوقوع البيان بخبرهم.
ولم يسدّ الحق سبحانه طريق الأمل ، فاستثنى التائبين الصالحين لأعمالهم وأقوالهم المنيبين لتوبتهم ، ولا يكفي في التوبة قول القائل : قد تبت ، حتى يظهر منه مخالفة سلوكه السابق ، فإن كان مرتدا رجع إلى الإسلام مظهرا شرائعه ، وإن كان من أهل المعاصي ظهر منه العمل الصالح ، وجانب أهل الفساد