وعلى هذا النحو من التنازلات من كلا الزوجين ، والعتاب الخفيف اللطيف ، والتماس أوسط الحلول وأقربها إلى مصلحة الطرفين ، والنظر البعيد إلى مستقبل الأسرة والأولاد ، يمكن تجديد بنية العلاقات الزوجية ، وتوجيهها وجهة معقولة متسمة بالحكمة والاتزان ، ومراقبة الله تعالى في كل شيء ، دون تفريط ولا إفراط ، ولا بغي أو ظلم أو اعتداء من طرف على آخر ، والله يحب المحسنين.
فإن اختار الرجل التسريح على الإحسان ـ وهو أبغض الحلال إلى الله وهو الطلاق الذي لم يشرع إلا للضرورة ـ ، حرم عليه أخذ شيء مما أعطاها : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) [البقرة ٢ / ٢٢٩] سواء من مهر أو غيره ، بل يجب عليه إهداؤها شيئا من الهدايا العينية أو النقدية زائدا عن حقوقها السابقة ، عملا بقوله تعالى : (فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) [الأحزاب ٣٣ / ٤٩] وهذا تحذير للرجال من إلحاق الظلم بالنساء وهضم حقوقهن.
ولكن يجوز للرجل أخذ ما تبذله المرأة من فداء مالي عن الطلاق ، لتفتدي به نفسها ، لأنه برضاها واختيارها دون إكراه ، إذا كانت المرأة هي الطالبة لفراق زوجها ، لكراهتها إياه ، أو لسوء خلق منها أو منه ، دون قصده الإضرار ، لقوله تعالى : (وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) [الطلاق ٦٥ / ٦] ، وخاف الزوجان تجاوز حدود الله ـ أي أحكامه ـ التي شرعها للزوجين من حسن العشرة وأداء الحقوق المطلوبة في ظل ولاية الرجل ، بأن خافت المرأة الوقوع في المعصية مثل جحد نعمة العشرة أو الخيانة ، أو خاف الرجل تجاوز الحدود في مؤاخذة الناشز ، وهذا الفراق على عوض مالي من المرأة يسمى الخلع ، وتجب بعده العدة كالطلاق ، ولا تصح الرجعة بعده إلا بأمر الزوجة ، بخلاف الطلاق الرجعي ، وقد حث النّبي صلىاللهعليهوسلم على ترك طلب الخلع من المرأة من غير ضرورة ، روى أحمد والترمذي والبيهقي عن ثوبان ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أيما امرأة سألت