الصالحة ، وتحذيرهم من عاقبة الشرّ والفساد ، والبعد عن الأهواء والتأويلات الباطلة ، فهو ملتبس بالحق دائما. وهذا موافق لما عبرت عنه آية أخرى وهو النطق بالحق : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) [الجاثية ٤٥ / ٢٩] وآية الهدى والتبشير في القرآن : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ، وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء ١٧ / ٩] ، فكل كتاب سماوي هو الحق والحكم الفصل في أمور الدنيا والدين. وعبر بالكتاب عن كتب النبيين وإن تعددت للإشارة إلى أنها في جوهرها كتاب واحد ، ومشتملة على شرع واحد في الأصول.
ثم ذكر الله تعالى أن بعض أهل الكتاب جعلوا كتابهم مصدر الاختلاف عدوانا وتجاوزا للحق ، فقال : لقد اختلف الرؤساء والأحبار وعلماء الدين في الكتاب الذي أنزله الله للحق ، بعد ما جاءتهم البينات الواضحة والأدلة على سلامة الكتاب وعصمته من إثارة الخلاف ، وأنه لإسعاد الناس ، لا لإشقائهم والتفريق بينهم ، ولم يكن ذلك الاختلاف من أولي العلم القائمين على الدين الحافظين له بعد الرسل ، والمطالبين بتقرير ما فيه إلا حسدا وبغيا (جورا) منهم ، وتعديا لحدود الشريعة التي أقامها حواجز للناس. ولكن هذه الجناية من هؤلاء الرؤساء على أنفسهم وعلى الناس لا تقدح في هداية الكتاب إلى الحق ، فليس العيب فيه ، وإنما في القائمين عليه.
غير أن الإيمان الصحيح مع سلامة القصد يهدي إلى الحق ويمنع الاختلاف ، وإن المؤمنين هم الذين يهتدون لما اختلف الناس فيه من الحق ، ويصلون إلى ما يرضي ربهم ، بتوفيقه وإنعامه ، والله يهدي دائما إلى الطريق المستقيم. أما الذين يؤولون الدين بحسب أهوائهم فهم في ضلال وفساد وشرّ ، ولهم العذاب الأليم عند الله ، كما قال : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ، وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ، إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ، ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) [الأنعام ٦ / ١٥٩].