مصلحة دخول فريق
في الإسلام ، لأنّ الإسلام لا يليق به أن يكون ضعيفا لمريديه ، قال تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا
قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ
هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الحجرات : ١٧].
وقوله : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً
وَمِنْهاجاً) كالتعليل للنّهي ، أي إذا كانت أهواؤهم في متابعة شريعتهم
أو عوائدهم فدعهم وما اعتادوه وتمسّكوا بشرعكم.
والشرعة والشريعة
: الماء الكثير من نهر أو واد. يقال : شريعة الفرات. وسمّيت الديانة شريعة على
التشبيه ، لأنّ فيها شفاء النّفوس وطهارتها. والعرب تشبّه بالماء وأحواله كثيرا ،
كما قدمناه في قوله تعالى : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ
يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) في سورة النساء [٨٣].
والمنهاج : الطريق
الواسع ، وهو هنا تخييل أريد به طريق القوم إلى الماء ، كقول قيس بن الخطيم :
وأتبعت دلوي في السماح رشاءها
فذكر الرشاء مجرّد
تخييل. ويصحّ أن يجعل له رديف في المشبّه بأن تشبّه العوائد المنتزعة من الشّريعة
، أو دلائل التّفريع عن الشريعة ، أو طرق فهمها بالمنهاج الموصّل إلى السماء.
فمنهاج المسلمين لا يخالف الاتّصال بالإسلام ، فهو كمنهاج المهتدين إلى الماء ،
ومنهاج غيرهم منحرف عن دينهم ، كما كانت اليهود قد جعلت عوائد مخالفة لشريعتهم ،
فذلك كالمنهاج الموصّل إلى غير المورود. وفي هذا الكلام إبهام أريد به تنبيه
الفريقين إلى الفرق بين حاليهما وبالتّأمّل يظهر لهم.
وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً
واحِدَةً). الجعل : التقدير ، وإلّا فإنّ الله أمر النّاس أن يكونوا
أمّة واحدة على دين الإسلام ، ولكنّه رتّب نواميس وجبلّات ، وسبّب اهتداء فريق
وضلال فريق ، وعلم ذلك بحسب ما خلق فيهم من الاستعداد المعبّر عنه بالتّوفيق أو
الخذلان ، والميل أو الانصراف ، والعزم أو المكابرة. ولا عذر لأحد في ذلك ، لأنّ
علم الله غير معروف عندنا وإنّما ينكشف لنا بما يظهر في الحادثات.
والأمّة : الجماعة
العظيمة الّذين دينهم ومعتقدهم واحد ، هذا بحسب اصطلاح الشّريعة. وأصل الأمّة في
كلام العرب : القوم الكثيرون الّذين يرجعون إلى نسب واحد ويتكلّمون بلسان واحد ،
أي لو شاء لخلقكم على تقدير واحد ، كما خلق أنواع الحيوان غير قابلة للزّيادة ولا
للتطوّر من أنفسها.