قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير التّحرير والتّنوير [ ج ٥ ]

122/280
*

وجملة (فِيهِ هُدىً وَنُورٌ) حال. وتقدّم معنى الهدى والنّور.

و (مُصَدِّقاً) حال أيضا من الإنجيل فلا تكرير بينها وبين قوله (بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً) لاختلاف صاحب الحال ولاختلاف كيفية التّصديق ؛ فتصديق عيسى التّوراة أمره بإحياء أحكامها ، وهو تصديق حقيقي ؛ وتصديق الإنجيل التّوراة اشتماله على ما وافق أحكامها فهو تصديق مجازي. وهذا التّصديق لا ينافي أنّه نسخ بعض أحكام التّوراة كما حكى الله عنه (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) [آل عمران : ٥٠] ، لأنّ الفعل المثبت لا عموم له.

والموعظة : الكلام الّذي يلين القلب ويزجر عن فعل المنهيات.

وجملة (وَلْيَحْكُمْ) معطوفة على (آتَيْناهُ). وقرأ الجمهور (وَلْيَحْكُمْ) ـ بسكون اللّام وبجزم الفعل ـ على أنّ اللام لام الأمر. ولا شكّ أنّ هذا الأمر سابق على مجيء الإسلام ، فهو ممّا أمر الله به الّذين أرسل إليهم عيسى من اليهود والنّصارى ، فعلم أنّ في الجملة قولا مقدّرا هو المعطوف على جملة (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ) ، أي وآتيناه الإنجيل الموصوف بتلك الصّفات العظيمة ، وقلنا : ليحكم أهل الإنجيل ، فيتمّ التّمهيد لقوله بعده (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) ، فقرائن تقدير القول متظافرة من أمور عدّة.

وقرأ حمزة ـ بكسر لام ـ (لْيَحْكُمْ) ونصب الميم ـ على أنّ اللام لام كي للتّعليل ، فجملة (لْيَحْكُمْ) على هذه القراءة معطوفة على قوله (فِيهِ هُدىً) إلخ ، الّذي هو حال ، عطفت العلّة على الحال عطفا ذكريا لا يشرّك في الحكم لأنّ التّصريح بلام التّعليل قرينة على عدم استقامة تشريك الحكم بالعطف فيكون عطفه كعطف الجمل المختلفة المعنى.

وصاحب «الكشاف» قدّر في هذه القراءة فعلا محذوفا بعد الواو ، أي وآتيناه الإنجيل ، دلّ عليه قوله قبله (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ) ، وهو تقدير معنى وليس تقدير نظم الكلام.

والمراد بالفاسقين الكافرون ، إذ الفسق يطلق على الكفر ، فتكون على نحو ما في الآية الأولى. ويحتمل أنّ المراد به الخروج عن أحكام شرعهم سواء كانوا كافرين به أم كانوا معتقدين ولكنّهم يخالفونه فيكون ذمّا للنصارى في التّهاون بأحكام كتابهم أضعف من ذمّ اليهود.

(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ