والثّوري ، وحمّاد بن سلمة. ويجب القضاء بقول أبي حنيفة ، فإنّ الحدود تدرأ بالشبهات وأيّ شبهة أعظم من اختلاف أئمّة الفقه المعتبرين.
والجزاء : المكافأة على العمل بما يناسب ذلك العمل من خير أو شرّ ، قال تعالى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً ـ إلى قوله ـ جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً) في سورة النبأ [٣١ ـ ٣٦] ، وقال تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) في سورة الشورى [٤٠].
والنكال : العقاب الشّديد الّذي من شأنه أن يصدّ المعاقب عن العود إلى مثل عمله الّذي عوقب عليه ، وهو مشتقّ من النكول عن الشيء ، أي النكوص عنه والخوف منه. فالنكال ضرب من جزاء السّوء ، وهو أشدّه ، وتقدّم عند قوله تعالى : (فَجَعَلْناها نَكالاً) الآية في سورة البقرة [٦٦].
وانتصب (جَزاءً) على الحال أو المفعول لأجله ، وانتصب (نَكالاً) على البدل من (جَزاءً) بدل اشتمال.
فحكمة مشروعيّة القطع الجزاء على السرقة جزاء يقصد منه الردع وعدم العود ، أي جزاء ليس بانتقام ولكنّه استصلاح. وضلّ من حسب القطع تعويضا عن المسروق ، فقال من بيتين ينسبان إلى المعرّي (وليسا في «السقط» ولا في «اللّزوميات») :
يد بخمس مئين عسجدا وديت |
|
ما بالها قطعت في ربع دينار |
ونسب جوابه لعلم الدّين السّخاوي :
عزّ الأمانة أغلاها ؛ وأرخصها |
|
ذلّ الخيانة فافهم حكمة الباري |
وقوله : (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ) أي من تاب من السارقين من بعد السرقة تاب الله عليه ، أي قبلت توبته. وقد تقدّم معناه عند قوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) في سورة البقرة [٣٧]. وليس في الآية ما يدلّ على إسقاط عقوبة السرقة عن السارق إن تاب قبل عقابه ، لأنّ ظاهر (تاب ـ وتاب الله عليه) أنّه فيما بين العبد وبين ربّه في جزاء الآخرة ؛ فقوله : (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ) ترغيب لهؤلاء العصاة في التّوبة وبشارة لهم. ولا دليل في الآية على إبطال حكم العقوبة في بعض الأحوال كما في آية المحاربين ، فلذلك قال جمهور العلماء : توبة السارق لا تسقط القطع ولو جاء تائبا قبل القدرة عليه. ويدلّ لصحّة قولهم أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قطع يد المخزومية ولا شكّ أنّها تائبة.