مستجاب ، إلّا ما هو من باب لقلقة اللسان فقط ، كما يقول الجالس في مساكن ذكر الله ببدنه : اللهم ارزقني توفيق الطاعة ، وبُعد المعصية. ولكن جميع أركانه وجوارحه وملكاته الراسخة ، وأخلاقه الرذيلة ، وشياطينه الذين صارت قلبه عشهم ، وبهائم شهواته ، وخنزير حرصه ، وكلب غضبه اللاتي غدت باطنه مرتعها ، كلّهم ينادون ويقولون : اللهم اخذلنا بالمعصية ، ويستغيثون ويطلبون أرزاقهم ، وهو تعالىٰ مجيب الدعوات ( أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ) (١).
وكما يقول الإنسان الطبيعي المطيع للوهم : اللهم أَبقني في الدنيا ، وهو بسرّه وعلانيته حتّىٰ وهمه متوجّه إلىٰ ربّه ، كلٌّ يبتغي وجهه ، والتمكّن في داره أو سجنه ، وأركان بدنه تطلب أحيازها الطبيعية ، وفروخه المحتبسة في بيوض المواد من قواه ـ العلّامة والعمّالة ـ تستدعي النهوض والطيران ، بل الأدوار والأكوار تقتضي آثارها ، بل الأعيان الثابتة التابعة اللازمة للأسماء يقولون لكل اُمة من الصور انطبعت وتعلّقت بالمادّة : إلىٰ متىٰ تلبثون هنا وتعطّلون المواد ، ألم تنقض نوبتكم ؟ فشمروا لسفركم ، وتأهّبوا للقاء أميركم ؛ ليصل التوبة إلىٰ طائفة اُخرى.
ولذا فالروح تتمنىٰ الموت وتفارق البدن بالاختيار ، والكاره له هو الوهم وإن كان هو أيضاً طالباً له بلسان الاستعداد : ( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ) (٢).
ولسان المقال أيضاً دعاؤه مستجاب ؛ لكونه يستدعي غذاءه الذي هو النطق ، أيّ نطق كان. فهو تعالىٰ مجيب دعوتهم ومبلّغهم إلىٰ اُمنيتهم ، وقد لا يساعد الداعي لسان استعداد هويته وإن ساعده بحسب النوع ، كطلب كلّ واحدٍ مرتبة الآخر ، فلعلّه حيث ليس له علم محيط يضرّه ما استدعىٰ بلسان المقال ويفسده ، فحاله وعلله يطلبون له ما يصلحه ، كما في الحديث القدسي : ( إنّ من عبادي من لا يُصلحه إلّا
_____________________________
(١) « طه » الآية : ٥٠. |
(٢) « الإنشقاق » الآية : ٦. |