واعلم أن العرب تقول : " هذا ثاني اثنين" و" ثالث ثلاثة" و" عاشر عشرة". وقد يقال : " ثاني واحد" و" ثالث اثنين" و" عاشر تسعة" ؛ لأنه مأخوذ من ثنى الواحد ، وثلث الاثنين ، وعشر التسعة.
فإن نونت فهو بمنزلة قولك : " ضارب زيدا". وإن أضفت فهو بمنزلة قولك : " ضارب زيد".
ولا يجوز التنوين في الوجه الأول ، إذا قلت : " ثالث ثلاثة" ؛ لأنك أردت به : أحد ثلاثة ، وبعض ثلاثة. ولا يجوز التنوين مع هذا التقدير في قول أكثر النحويين ؛ لأنه لا يكون مأخوذا من فعل عامل.
وإذا قلت : " هذا عاشر عشرة" قلت : " هذا حادي عشر" بتسكين الياء. ومنهم من يقول : " هذا حادي عشر" بفتح الياء. فأما من سكن الياء من" حادي" ، فتقديره : هذا حادي الأحد عشر ، كما تقول : " هذا قاضي بغداد" ، وحذف" أحد" تخفيفا لدلالة المعنى عليه. وأما من فتح فإنه بنى" حادي" مع" عشر" حين حذف" أحد" ، فجعل" حادي" قائما مقامه ، ومنهم من يقول : " هذا الحادي أحد عشر". فإذا قالوا ذلك لم يجز في الياء إلا التسكين ؛ لأن ثلاثة أشياء لا يجوز أن يكن اسما واحدا ، وتقول فيما جاوز أحد عشر من هذه اللغة : " هذا ثاني عشر" و" ثاني عشر" و" ثاني اثنى عشر" و" ثالث عشر" و" ثالث ثلاثة عشر" لا غير ، على تسعة عشر ، على ما بيناه.
فإن قال قائل : فلم قيل : " حادي عشر" وهو فاعل من واحد؟ وهلا قالوا : " واحد عشر" أو" آحد عشر" من لفظ" أحد"؟
ففي ذلك جوابان :
أحدهما : أنه مقلوب من" واحد" ، والواو من" واحد" في موضع الفاء منه ، فجعلت الفاء في موضع اللام ، فانقلبت الواو ياء ، لانكسار الدال ، كما قيل : " غازي" ، وتقديره من الفعل : عالف والقلب في كلامهم كثير ، كقولهم : " شائك السلاح" و" شاكي السلاح" ، وكقولهم : " لائث" و" لاثي". وكما قال الشاعر :
خيلان من قومي ومن أعدائهم |
|
خفضوا أسنّتهم وكلّ ناعي (١) |
__________________
(١) البيت للأجدع بن مالك الهمداني في الأمثال لأبي عكرمة الضبي ٦٦.