ولا شك أن هذه الحالة من الأنس بالله ، والسكون إلىٰ الله ، والإحساس بالأمن في كنف الله حالة نابعة من الإحساس بحضور الله وقربه ومعيّته ، وهي من أفضل حالات العبد تجاه ربه ، ولكنها ليست تمثل كلّ شيء في علاقة الإنسان بالله بل لابدّ أن تقترن بحالة (الشوق) حتىٰ تكتمل وتتوازن ، وتتناسق.
وهاتان الحالتان بارزتان في عبادة أولياء الله وعبادة الصالحين وعلاقتهم بالله ، فقد يكون طابع الشوق واللهفة هو الغالب علىٰ عباداتهم وعلاقتهم بالله ، وقد يكون طابع الاُنس والسكون والاطمئنان هو الغالب علىٰ عباداتهم وذكرهم وعلاقتهم بالله ، وقد يكون هذا وذاك ، وهو أفضل الأحوال وأسلمها ، واقرب إلىٰ حالة التوازن والتناسق في العلاقة بالله.
عن حمّاد بن حبيب العطّار الكوفي ، قال : « خرجنا حجّاجاً فرحلنا من زبالة ليلاً ، فاستقبلتنا ريح سوداء مظلمة ، فتقطّعت القافلة فتهت في تلك الصحاري والبراري فانتهيت إلىٰ واد قفر ، فلمّا أن جنَّ اللّيل أويت إلىٰ شجرة عادية ، فلمّا أن اختلط الظلام إذا أنا بشاب قد أقبل ، عليه أطمار بيض ، تفوح منه رائحة المسك ، فقلت في نفسي : هذا وليّ من أولياء الله متىٰ ما أحسَّ بحركتي خشيت نفاره وأن أمنعه عن كثير ممّا يريد فعاله. فأخفيت نفسي ما استطعت. فدنا إلىٰ الموضع فتهيّأ للصلاة ، ثمَّ وثب قائماً وهو يقول : يا من أحاز كلَّ شيء ملكوتاً ، وقهر كلَّ شيء جبروتاً ، أَوْلِجْ قلبي فرح الإقبال عليك ، وألحقني بميدان المطيعين لك. قال : ثمَّ دخل في الصلاة ...
فلما أن تقشّع الظلام
وثب قائماً وهو يقول : يا من قصده الطالبون فأصابوه مرشداً ، وأمّه الخائفون فوجوده متفضّلاً ، ولجأ إليه العابدون فوجدوه نوالاً ، متىٰ
وجد راحة من نصب لغيرك بدنه ، ومتىٰ فرح من قصد سواك بنيّته ، إلهي قد تقشّع
الظلام ولم أقض من خدمتك وطراً ، ولا من حاضّ مناجاتك مدراً ، صلِّ علىٰ