كنز البائسين » (١).
وفي مقابل هذا التجلّي نحوٌ آخر من التجلّي ، وهو تجلّي الله لعباده دون أن يغلق له باب بينه وبين عباده ، يسمع نجواهم ، وهو أقرب إليهم من حبل الوريد ، يحول بين المرء وقلبه ، ولا يخفیٰ عليه شيء مما يخطر علىٰ قلوب عباده ، فيشعر العبد أنه بحضور مولاه ، يتهيّب أن يخالفه ويعصيه ، ويأنس بذكره ، ويسكن إلىٰ مناجاته ودعائه ، ويطيل المناجاة ، والذكر والدعاء ، والوقوف بين يديه.
وفي حديث قدسي ، يقول الله لبعض أنبيائه ، وهو سبحانه يصف قيامهم له في ظلمات الليل ، وقد هدأ الناس واستسلموا للنوم : « ولو تراهم وهم يقومون لي في الدجىٰ ، وقد مثلت نفسي بين أعينهم يخاطبوني ، وقد جللت عن المشاهدة ، ويكلموني ، وقد عززت عن الحضور » (٢).
فلا يملّ العبد الوقوف بين يدي الله ، ولا يشعر بمرور الوقت. أو رأيت إن كان الإنسان بمحضر حبيب من الأحبّاء الذين تهوي إليهم نفسه ، هل يملّ أو يشعر بمرور الوقت ؟ فكيف لو كان الإنسان يشعر أنه بحضور الله ؟ يسمعه ، ويراه ، ويسمع خطابه وكلامه ، وهو معه ؛ ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ) (٣).
فيسكن ويطمئن إلىٰ ذكر الله ( أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) (٤).
يقول الامام المهدي الحجة عجل الله فرجه في دعائه المعروف بـ « الافتتاح » : « فصرت أدعوك آمناً وأسألك مستأنساً ، لا خائفاً ولا وجلاً ، مدلّاً عليك فيما قصدت فيه إليك » (٥).
__________________
(١) بحار الأنوار ٩٤ : ١٥٠.
(٢) لقاء الله : ١٠١.
(٣) الحديد : ٤.
(٤) الرعد : ٢٨.
(٥) مفاتيح الجنان ، دعاء الافتتاح.