فقه اللغة (١٣).
ونستطيع تقريب ذلك بأنّ ( الزمان الماضي ) مثلاً لايفهم من لفظ ( قام ) وحدها ، لامن مادّتها ، ولا من صيغتها ، وإنّما يفهم من سياق الجملة و ( مقامها ) فإن وقع الفعل في سياق الإخبار عن شيء دلّ على الزمن الماضي مثل ( قام محمد ) وإن وقع في سياق آخر غير الإخبار ، كسياق الشرط مثلاً ، دلّ على الزمن المستقبل مثل : ( إن قام محمد قمت ) مع أنّ لفظ ( قام ) واحد في السياقين ، فلو كان الزمان زمان الصيغة لما اختلف من سياق إلى سياق.
كذلك فإنّ صيغة ( يفعل ) يقوم مثلاً ـ لا تدلّ على الزمان الحاضر والمستقبل إلّا بسياق الجملة وقرائن أحوالها ، ففي سياق الخبر تدلّ على ( الحال ) وفي سياق التسويف والنفي بـ ( لن ) تدلّ على الإستقبال ( سوف يقوم ) أو ( لن يقوم ) ، وفي سياق النفي بـ ( لم ) أو ( لمّا تدلّ على الماضي البعيد أو القريب ( لم يقم ... ولمّا يقم ) وهكذا.
وهذا إن دلّ على شيء فعلى أنّ الزمان نحوي لاصرفيّ ، أي أنّه يفهم من سياق الجملة واُسلوب تأليفها ، لامن صيغة ( فَعلَ. يَفْعَل ).
ب ـ إنّ الزمان النحوي هذا ، لايقتصر على الجمل الفعلية وصيغ الأفعال ، بل قد يفهم من الجمل الإسمية وصيغ الأسماء كالمصدر وإسم الفاعل ، فأنت تقول مثلاً : ( أنا ضاربُ أخيك ) فنفهم من سياق الخبر أنّ الزمان ماض ، وتقول : ( أنا ضاربٌ أخاك ) ونفهم من سياق ( التهديد ) أنّ الزمان مستقبل.
ونخلص من ذلك كلّه إلى أنّه إذا كنّا نفهم ( الزمن المعيّن ) من وقوع الفعل ( قتل ) أو الإسم ( قاتل ) في سياق معيّن دلّ ذلك علی أنّ الإقتران بالزمن ليس هو المائز بين الإسم والفعل ، لأنّه ليس زمانهما بل زمان الجملة.
يقول الدكتور إبراهيم أنيس ـ وهو يردّ على النحاة ربطَهم لصيغة الفعل بالزمن ـ : « وقد جعلوا ارتباط الفعل بالزمن عنصراً أساسياً ، به يتميّز الفعل من الإسم ، وعزّ عليهم أن يروا فكرة الزمن تتحقّق في المصدر كما تتحقّق في الفعل ، فجادلوا في هذا
____________________________
(١٣) من أسرار اللغة : ١٦٥.