ومن الطبيعي أن يكون هذا التوجيه مردوداً عند بعض النحاة ، لأنّه ـ كما يقولون ـ قائم على قسمة غير حاصرة ، إذ يمكن افتراض قسم رابع هو : ( أن يخبر عنه لا به ) وسواء وجد هذا القسم أم لم يوجد ، فإنّ مجرّد احتماله مخلّ بانحصار القسمة (٧).
الوجهة المعنوية الدلالية.
وهناك جماعة من النحاة تبنّوا في تقسيمهم الثلاثي وجهة نظر مبنيّة على دلالة الكلمة على معناها ، بغضّ النظر عن صلاحيّتها للإسناد ، أي أنّ أساس التمايز بين أقسام الكلمة هو افتراقها في ( دلالة ) كل كلمة على المعاني التي وضعت بإزائها ، فالكلمة : إمّا أن تدلّ على معنى مستقلّ في نفسه ، أي أنّ معناها يُدرك من لفظها سواء ربطت بعنصر لفظي آخر أم لم تربط ، أو تدلّ على معنى غير مستقلّ ، والثاني ( الحرف ) ؛ لأنّ معناه لايظهر إلّا إذا ربط بكلمة اُخرى. أمّا القسم المستقلّ فهو : إمّا أن يقترن معناه بأحد الأزمنة الثلاثة فهو ( الفعل ) أو لايقترن فهو ( الإسم ).
وقد تبنّى أكثر النحاة هذا الأساس في التقسيم (٨) لذلك جاءت تعريفاتهم للأقسام مبنيّة عليه :
فالإسم : ( كلمة دلّت على معنى في نفسها من غير اقتران بزمان محصّل ) (٩).
والفعل : ( كلمة دلّت على معنى في نفسها مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ) ، وقد أضاف الرضي إلى التعريف قيد : ( من حيث الوزن ) ليشير إلى أنّ ( الحدث ) معنى يدلّ عليه الفعل بمادّته ، و ( الزمن ) معنى يدلّ عليه الفعل بصيغته (١٠).
____________________________
(٧) اُنظر رأي ابن إياز وابن هشام في الأشباه والنظائر ٢ / ٣ مع ملاحظة أنّ ( القسمة ) باب من أبواب المنطق ، ويشترط المناطقة للقسمة أن تكون ( حاصرة ) أي جامعة لجميع ما يمكن أن يدخل من الأقسام ، لايشذّ منها شيء ، فإذا فرض أن يكون هناك قسم لم يدخل كانت القسمة ( غير حاصرة ) ، وهذه القسمة نوعان : عقلية واستقرائية. فالعقلية هي التي يمنع العقل أن يكون لها قسم آخر ، ولايمكن ذلك إلّا إذا كانت القسمة دائرة بين النفي والإثبات ، كما لو قسّمنا الحيوان إلى : ( إنسان وغير إنسان ) فإنّ غير الإنسان يدخل فيه كل ما يفرض من الحيوانات الاُخرى ـ وسيأتي أنّ النحاة حاولوا هذه القسمة الحاصرة في تقسيمهم للكلمة ـ ، والإستقرائية هي التي لايمنع العقل من فرض قسم آخر ، ولكنّ التقسيم وقع على الأقسام المعلومة بالإستقراء والتتبّع. ( اُنظر المنطق للمظفّر ١ / ١٢٣ ـ ١٢٦ ).
(٨) اُنظر الرضي على الكافية ١ / ٧ ؛ وابن هشام في شرح شذور الذهب ١ / ٢٢ ؛ والاشموني ١ / ٢١.
(٩) نقله ابن يعيش عن السيرافي ١ / ٢٢.
(١٠) اُنظر الرضي ١ / ٥ ، ١١.