وفكره مقرون بهما مكلّف بما تبلغه (١) طاقته في ذلك ، إذ البواعث الكامنة في النّفوس والدّواعي الجالبة لاختيار الطّرائق قد تختفي على النّفوس الكاملة الواصلة أعلى الدّرجات ما لم يبلغ حدّ العصمة ، فكيف بالجاهل الذي لم يعرف بعد مواقع الخطأ من دقائق معايب النّفس ، والأطفال في أوائل البلوغ ، فإن فهم أنّ محض موافقة الآباء والأمّهات ، ممّا يوجب التّثبّط عن البلوغ الى الحقّ ممّا لا يخطر ببال أكثرهم ، بل يصعب إزالته غالبا على العلماء المرتاضين الّذين يحسبون أنّهم خلعوا هذه الرّبقة عن أعناقهم فضلا عمّن دونهم.
وكذلك الكلام في سائر معايب النّفس من حبّ أفكاره الدّقيقة التي استقلّ بها ، وعدم تقاعده عن مكافحة الخصوم ، وتقيّده بخوف التّضعضع عن درجات العلوم ، فإنّ لهذه المعايب دركات تحت دركات لا يتدرّج منها كلّ أحد الى درجات التّصعّد ، وربّما يكون منها ما هو أخفى من دبيب النّملة على الصّفا في اللّيلة الظّلماء.
ومن الواضح أنّ التّخلّي عن جميع عروق الأخلاق الرّديّة لا يمكن لكلّ أحد ، بل ولا لأكثر العلماء فضلا عن العوامّ ، بل ولا لأحد من النّاس بعد مدّة مديدة من المجاهدات ، وربّما يكون نهايتها نهاية العمر ، فكيف يقال ببطلان العقائد والأعمال لكافّة النّاس في غالب أعمارهم ، بل الظّاهر أنّه مناف لحكم الله تعالى ورأفته ، بل لعدله.
فظهر من ذلك أنّ مراتب التّكاليف مختلفة ، وكلّ ميسّر لما خلق له.
__________________
(١) في نسخة الأصل (يبلغه).