عليه ذاك الحكم الذي كان يمارسه طيلة نقابته للطالبيين. وعلى كل هذه التقادير ، كيف أمر الشريف بجلد ذلك الرجل حتى جاوز مائة خشبة ؟ مع انه ـ رحمه الله ـ ذلك الورع التقي ، الذي اتفق الجميع على طهارته ، ونزاهته وتقواه ؟
وما نرى ذلك إلّا فرية أراد الجاعل الحطّ بها من مكانة السيد الشريف قدس الله روحه.
وقد روي عن أبي جعفر ـ عليه السّلام ـ إنّ أميرالمؤمنين ـ عليه السّلام ـ أمر قنبراً أن يضرب رجلاً حدّاً ، فغلط قنبر ، فزاده ثلاثة أسواط ، فأقاده علي عليه السّلام من قنبر بثلاثة اسواط (٢٥).
إنّ الشريف الرضي هو الذي يعرّفه ابن الجوزي في المنتظم : كان الرضي نقيب الطالبيين ببغداد ، حفظ القرآن في مدة يسيرة ، بعد أن جاوز ثلاثين سنة ، وعرف من الفقه والفرائض طرفاً قوياً ، وكان عالماً فاضلاً وشاعراً مترسلاً وعفيفاً عالي الهمّة ، متديناً إشترى في بعض الأيام جزازاً من امرأة ، بخمسة دراهم فوجد جزءاً بخط أبي علي بن مقلة ، فقال للدّلال : إحضر المرأة فأحضرها ، فقال : قد وجدت في الجزاز جزءاً بخطّ ابن مقلة ، فإن أردت الجزء فخديه ، وإن اخترت ثمنه فهذه خمسة دراهم ، فأخذتها ، ودعت له وانصرفت (٢٦).
فمن كان هذا مبلغ تقواه وورعه ، لا يقدم على معاقبة الزوج أمام زوجته بتلك المعاقبة الخشنة الخارجة عن حدود الشرع.
هذا ابن أبي الحديد يعرّفه في كتابه بقوله : كان عفيفاً شريف النفس ، عالي الهمّة ملتزماً بالدين ، وقوانينه ، ولم يقبل من أحد صلة ولا جائزة (٢٧).
وهذا الرفاعي يعرفه في صحاح الاخبار بقوله : كان أشعر قريش. وذلك لأنّ الشاعر المجيد من قريش ليس بمكثر ، والمكثر ليس بمجيد ، والرضي جمع بين فضلي الإكثار والإجادة ، وكان صاحب ورع وعفة ، وعدل في الأقضية ، وهيبة في النفوس (٢٨).
________________________________
(٢٥) الوسائل ١٨ : ٣١١ ، أبواب مقدمات الحدود ، الباب ٢ ، الحديث ٣.
(٢٦) المنتظم ٧ : ٢٧٩.
(٢٧) الشرح الحديدي ١ : ٣٣.
(٢٨) صحاح الأخبار : ٦١.