الشريف المرتضى علم الهدى أخي الرضي جامع النهج ـ من تاريخ اليافعي ما نصّه : «وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام علي بن أبي طالب عليه السّلام ، هل هو جمعه ، أو أخوه الرضيّ ؟ وقد قيل إنّه ليس من كلام علي بن أبي طالب ، وإنما أحدهما هو الذي وضعه ونسبه إليه».
أقول : الظاهر أن اليافعي أخذ هذا الطعن من القاضي ابن خلّكان في «وفيات الأعيان» ونقله بألفاظه في تاريخه والقائل واحد ، وقد قاله القاضي عند ترجمة علم الهدى ، واليافعي تُوفّي سنة ٧٦٧ هـ ، وابن خلّكان تُوفّي سنة ٦٨١ هـ ، إلّا أنّ ابن خلّكان قال ـ بعد قوله في اختلاف الناس أنّه ليس من كلامه ـ : وإنّما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه.
أقول : والفرق بينهما أنّ الواضع على عبارة اليافعي هو علم الهدى أو أخوه الرضي ، وأمّا على ما في الوفيات فيمكن أن يكون غيرهما.
ثم إنّ تلك الشبهة الواهية ليست بتلك المثابة التي قال فيها اليافعي : «وقد اختلف الناس» ، بل تفوّه بها معاند هتّاك لم يتفحّص في الجوامع الروائية والصحف العتيقة ، ولم يكن عارفاً بأنحاء الكلام ... وإلّا فكيف يجترئ العالم الخبير المتتبّع الباحث عن فنون الكلام أن ينحل الكلام الذي هو دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق الى من نسبة منشآته وأشعاره وسائر كلماته الى ما أفاضه أميرالمؤمنين عليه السّلام كنسبة السُّها الى البيضاء !؟
وقد كلّت الألسن أن تتمجمج بإتيان خطبة من خطب النهج لفظاً أو معنى ، والخطباء الذين يشار إليهم بالبنان ، وتثنى عليهم الخناصر في المحاضر ، كلّهم عياله عليه السّلام ، ومن الآخذين عنه.
وقد تحيرت دون كتبه ورسائله وخطبه وحكمه العقول ، وخضعت لها أفكار الفحول ، لاشتمالها على اللطائف الحكمية ، والحقائق العقليّة ، والمسائل الإلهية في توحيد الله التي لا يصل الى شاهق معرفتها إلّا كلام الوصي ، «سُبْحَانَ اللَّـهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّـهِ الْمُخْلَصِينَ» (١).
وهذا عبدالحميد الذي قال فيه ابن خلكان في وفيات الاعيان : «أبو غالب
________________________________
(١) الصافّات : ١٥٩ ـ ١٦٠.