ظنّ أنّ النهر يجمد كلّه وليس الأمر كذلك ، إنما يجمد أعلاه وأسفله جار ، ويحفر أهل خوارزم في الجليد ويستخرجون منه الماء لشربهم ، لا يتعدّى الثلاثة أشبار إلّا نادرا ، قال : وكانت الخيل والبغال والحمير والعجل تجتاز عليه كما تجتاز على الطريق ، وهو ثابت لا يتحلحل ، فأقام على ذلك ثلاثة أشهر فرأينا بلدا ما ظننا إلّا أنّ بابا من الزمهرير فتح علينا منه ، ولا يسقط فيه الثلج إلّا ومعه ريح عاصف شديدة ، قلت : وهذا أيضا كذب فإنه لو لا ركود الهواء في الشتاء في بلادهم لما عاش فيها أحد ، قال : وإذا أتحف الرجل من أهله صاحبه وأراد بره قال : تعال إليّ حتى نتحدّث فإن عندي نارا طيبة ، هذا إذا بلغ في برّه وصلته ، إلّا أنّ الله عز وجلّ قد لطف بهم في الحطب وأرخصه عليهم ، حمل عجلة من حطب الطاغ وهو الغضا بدرهمين يكون وزنها ثلاثة آلاف رطل ، قلت : وهذا أيضا كذب لأن العجلة أكثر ما تجرّ على ما اختبرته ، وحملت قماشا لي عليها ، ألف رطل لأن عجلتهم جميعها لا يجرها إلّا رأس واحد إما بقر أو حمار أو فرس ، وأما رخص الحطب فيحتمل ان كان في زمانه بذلك الرخص ، فأما وقت كوني بها فإن مائة منّ كان بثلث دينار ركنيّ ، قال : ورسم سؤالهم أن لا يقف السائل على الباب بل يدخل إلى دار الواحد منهم فيقعد ساعة عند ناره يصطلي ثم يقول : پكند ، وهو الخبز ، فإن أعطوه شيئا وإلّا خرج ، قلت أنا : وهذا من رسمهم صحيح إلّا أنه في الرستاق دون المدينة شاهدت ذلك ، ثم وصف شدة بردهم الذي أنا شاهدته من بردها أنّ طرقها تجمد في الوحول ثم يمشى عليها فيطير الغبار منها ، فإن تغيّمت الدنيا ودفئت قليلا عادت وحولا تغوص فيها الدواب إلى ركبها ، وقد كنت اجتهدت أن أكتب شيئا بها فما كان يمكنني لجمود الدواة حتى أقرّبها من النار وأذيبها ، وكنت إذا وضعت الشربة على شفتي التصقت بها لجمودها على شفتي ولم تقاوم حرارة النفس الجماد ، ومع هذا فهي لعمري بلاد طيبة وأهلها علماء فقهاء أذكياء أغنياء ، والمعيشة بينهم موجودة وأسباب الرزق عندهم غير مفقودة ، وأما الآن فقد بلغني أن التتر صنف من الترك وردوها سنة ٦١٨ وخرّبوها وقتلوا أهلها وتركوها تلولا ، وما أظنّ أنه كان في الدنيا لمدينة خوارزم نظير في كثرة الخير وكبر المدينة وسعة الأهل والقرب من الخير وملازمة أسباب الشرائع والدين ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
والذين ينسبون إليها من الأعلام والعلماء لا يحصون ، منهم : داود بن رشيد أبو الفضل الخوارزمي ، رحل فسمع بدمشق الوليد بن مسلم وأبا الزرقاء عبد الله بن محمد الصغاني ، وسمع بغيرها خلقا ، منهم بقية بن الوليد وصالح بن عمرو وحسان بن إبراهيم الكرماني وأبو حفص عمر بن عبد الرحمن الأمار وغيرهم ، روى عنه مسلم بن الحجاج وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وصالح بن محمد جزرة ، روى البخاري عن محمد بن عبد الرحيم في كفّارات الأيمان ، وقال البخاري : مات في سنة ٢٣٩ ، وآخر من روى عنه أبو القاسم البغوي.
خُوَاشُ : مدينة بسجستان ، وأهلها يقولون خاش ، على يسار الذاهب إلى بست ، بينها وبين سجستان مرحلة ، وبها نخل وأشجار وقنيّ ومياه.
خُواشْت : بضم أوله ويفتح ، وبعد الألف الساكنة شين معجمة ساكنة أيضا : من قرى بلخ ، ينسب إليها أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الله بن علي الخواشتي ، فقيه محدث ، روى عن علي بن عبد العزيز البغوي وعبد الصمد بن المفضّل.